في تطوّر غير مسبوق يُنذر بمزيد من التعقيدات والاضطرابات المصاحبة للاحتجاجات الشعبية التي تعمّ البلاد ضد النظام منذ منتصف سبتمبر الماضي، وجّه إمام جماعة أهل السنّة، خطيب جمعة مدينة زاهدان انتقادات لاذعة للمرشد الإيراني علي خامنئي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة والسلطات الأمنية، متهماً إياهم بـ «قتل الأهالي» خلال الصدامات التي وقعت بمركز محافظة بلوشستان وسيستان قبل 3 أسابيع، بين محتجين وقوات عسكرية وراح ضحيتها 95 شخصاً، إضافة إلى جرح نحو 300 مازال بعضهم يخضع للعلاج بالمشافي، على خلفية مزاعم بـ «قيام أحد كوادر الأمن باغتصاب فتاة مراهقة خلال احتجازها».

وقال عبدالحميد، خلال خطبة أمس الأول، إن «ربط جمعة زاهدان الدامية بالانفصالية والمجموعات المعارضة ما هي إلا كذبة»، في إشارة إلى إلقاء بعض المسؤولين بطهران اللوم على «الجماعات الانفصالية» بالأحداث التي وقعت عندما حاصر أهالي من أقلية البلوش السنيّة مركزا أمنيا بهدف المطالبة بمحاسبة قيادي شرطي اتهموه باغتصاب الفتاة (15 عاما) بعد احتجازها.

Ad

وأضاف عبدالحميد: «إن الذين قاموا بالجريمة في زاهدان يعملون حالياً على تلفيق الاتهامات للمقتولين، واتهامهم بأنهم انفصاليون، وأنهم هاجموا القوى الأمنية بالأسلحة، في حين أن القتلى ليسوا انفصاليين ولم يكونوا مسلحين».

وتابع: «الأجهزة الأمنية اتهمت المحتجين بأنهم قتلوا عددا من القوات الأمنية، ثم قامت تلك القوات بإطلاق النار عليهم، لكن الوضع كان معكوساً، يعني أن القوات الأمنية أطلقت النار على المحتجين، وبعدها قام الأهالي بمهاجمتها والدفاع عن أنفسهم».

وطالب الإمام بمحاكمة واعتقال كل أفراد القوات الأمنية التي شاركت في الواقعة، إضافة إلى اعتقال ومحاكمة ومعاقبة الشخص الذي أصدر الأوامر لها بالقيام بـ «المجزرة».

وذكر إمام زاهدان أن وزير الداخلية وأعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي وأعضاء لجنة الأمن البرلمانية حضروا إلى المدينة خلال الأسابيع الماضية، وتلقّوا «وثائق تثبت أن القوى الأمنية ارتكبت جريمة، لكن حتى الآن لم يتم اتخاذ أي خطوة لإحقاق حق الناس».

وشدد على أنه «يعتبر آيت الله خامنئي هو المسؤول المباشر عن تصرّفات العناصر الأمنية، وأن الله سوف يسأله عن كل إنسان قُتل دون ذنب».

وحمّل رجل الدين السنّي البارز السلطات الحكومية والمرشد مسؤولية تحويل سيستان وبلوشستان وزاهدان إلى «ساحة حرب ومنع الإعلاميين والصحافيين المستقلين من دخولها لإعداد أي تقارير عن الوضع الميداني».

في المقابل، اتهم نائب وزير الداخلية، مجيد مير أحمدي، زعيم السنّة بتحريك الاحتجاجات الحاشدة التي خرجت أمس الأول بزاهدان، وتخللها ترديد هتافات مناهضة للمرشد وقوات الباسيج. ووصف خطبة عبدالحميد بأنها كانت «استفزازية، ومع الأسف، بعد خطبته أساء نحو 150 بلطجياً إلى ممتلكات الناس، وسياراتهم الشخصية، ومحالّهم، واعتدوا على ممتلكات أهل السنّة، لكن تمت السيطرة عليها بسرعة، وهدأ الوضع».

وبعد يومين من تأكيد مصدر مطّلع لـ «الجريدة»، أن قائد الحرس الثوري حسين سلامي، حذّر المرشد من احتمال مواجهة مصير سورية في حال التهاون في التعاطي مع الاضطرابات التي تشهدها البلاد حالياً، اتهم «الحرس الثوري» زعيم السنّة بـ «التحريض ضد الجمهورية الإسلامية»، وهدده بأن ذلك قد يكلفه ثمناً باهظاً.

وجاء في بيان مقتضب على الموقع الإلكتروني لـ «الحرس الثوري»: «السيد عبدالحميد، تشجيع الشباب وتحريضهم ضد جمهورية إيران الإسلامية المقدّسة قد يكلفك ثمنا باهظا! هذا هو التحذير الأخير!».

في غضون ذلك، تواصلت تظاهرات «الحراك الشعبي» الذي فجّرته وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني، بعد توقيفها من قبل شرطة الآداب، بسبب مخالفتها قواعد الحجاب الإلزامي في جميع أنحاء إيران ليل الجمعة ـ السبت.

وأضرب عدد من أصحاب المحال التجارية والعمال والمعلمين عن العمل، أمس، في عدة محافظات بينها كردستان وأذربيجان الغربية. وأظهرت فيديوهات توقّف عمال شركة داداش برادر للشوكولاته، في تبريز، عن العمل ودخولهم في إضراب. يأتي ذلك عشية إضراب واسع دعت له نقابة المعلمين التي طلبت من أولياء الأمور عدم إرسال أبنائهم إلى المدرسة اليوم وغداً.

وفي وقت خرجت احتجاجات تضامنية مع «الحراك الشعبي الإيراني» في برلين ومدن أخرى حول العالم، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إنه لا يوجد حالياً أي احتمال لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وإن اهتمام المجتمع الدولي يتركّز على الاحتجاجات الشجاعة للنساء والشبان الإيرانيين، فيما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أن واشنطن تستغل الأحتجاجات لتحصيل تنازلات في المفاوضات النووية.

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرته الفرنسية كاثرين كولونا، قال وزير الخارجية الأميركي: «مع أو من دون اتفاق نووي، ستواصل الولايات المتحدة اتخاذ الخطوات الضرورية لمواجهة أنشطة إيران في الشرق الأوسط وما وراءه».

كما أعربت وزيرة الخارجية الفرنسية عن قلقها العميق إزاء القمع العنيف الذي تمارسه إيران ضد المتظاهرين، ودانت مرة أخرى «القمع الوحشي للمتظاهرين في إيران، وأكدت دعم مطالبهم وضرورة الإفراج الفوري عن المعتقلين».

في السياق، أعلن البيت الأبيض أن مسؤولين من مجلس الأمن القومي ومديرة مجلس سياسة النوع الاجتماعي التقوا نشطاء وخبراء إيرانيين لمناقشة وجهات نظرهم حول كيفية دعم الولايات المتحدة للمتظاهرين في إيران.

في غضون ذلك، قدّم العضو الجمهوري في مجلس النواب الأميركي، جيم بانكس، مشروع قانون تحت عنوان «مهسا أميني»، من شأنه أن يعاقب خامنئي ودائرته المقربة بسبب «جرائم حقوق الإنسان». في المقابل، رأى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أن تقييم بلاده لرسالة تلقتها أخيراً من واشنطن هو أن «الاتفاق النووي من أولويات إدارة الرئيس جو بايدن»، متهماً الأميركيين بالتناقض بين الأقوال والأفعال.

وفي تطور جديد، كشف رئيس منظمة الدفاع المدني، العميد غلام جلالي، عن إغلاق تطبيقي «واتساب» و»إنستغرام» بشكل نهائي، متهماً إسرائيل وجماعة «مجاهدي خلق» المتمردة بتنسيق الاحتجاجات واستغلالهما لـ «نشر الأكاذيب».

طهران - فرزاد قاسمي