يجري حاليا التنافس باستماتة للفوز في السباق العالمي للطاقة النظيفة، وانضمت الولايات المتحدة إلى السباق قبل شهرين فقط من خلال سنها قانون الحد من التضخم، وحينها، أعلنت النمسا حزمة دعم تصل قيمتها إلى 5.7 مليارات يورو (5.6 مليارات دولار)، وتحشد وحدها استثمارات نصيب الفرد على قدم المساواة مع جهود الولايات المتحدة، ولكن نظرا لأن عددا أكبر من الحكومات تعتمد السياسات الصناعية لتحويل اقتصاداتها، فإن تحديد التكنولوجيات الخضراء التي يجب دعمها سيكون تحديا رئيسا، ومن الصعب اختيار الفائزين في السباق.

ويمكن لواضعي السياسات البدء بالمهمة البسيطة نسبيا والمتمثلة في تحديد الخاسرين، إذ يجب خفض معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وغازات الدفيئة الأخرى إلى الصفر أو ما يقرب من الصفر لتحقيق الاستقرار في المناخ العالمي، وهذا هو أحد الأسباب التي جعلت الاقتصاديين يفضلون منذ فترة طويلة تسعير الكربون كأداة أساسية في سياسة المناخ، والتصور السائد هو أنه من خلال تحميل الملوثين التكلفة الكاملة لانبعاثاتهم، يمكن للحكومات أن تترك السوق يقرر بشأن التكنولوجيات التي ستفوز.

Ad

ولكن هذا أمر قوله أيسر من فعله، إذ تجعل تشوهات السوق المتفشية، والمصالح المكتسبة الكبيرة، وعمليات تأمين البنية التحتية الضخمة، الحل المقنع الذي يقدمه الاقتصادي شبه مستحيل. لنتأمل هذه الحالة على سبيل المثال: لقد تم عزل ما تتجاوز 90 في المئة من قدرة طاقة الفحم العالمية عن المنافسة في السوق بموجب عقود تمتد غالبًا لفترة 20 عاما أو أكثر في المستقبل، ويُظهر هذا الدعم الراسخ للتكنولوجيات القذرة التي عفا عليها الزمن مثل الفحم، حتى عندما تتاح بدائل أقل تكلفة، وأنظف، وأفضل، أنه يجب بذل المزيد من الجهود.

وما يزيد الأمور تعقيدا مدى إلحاح التحدي وحجمه، إذ تضطلع الطاقة بدور بالغ الأهمية في حياتنا، وسيتطلب تحقيق حياد الكربون تحولا شاملاً في الاقتصاد والمجتمع، ونظرا للوضع الحالي، فإن الاستفادة من سلطة الخزانة العامة مناسبة إلى حد كبير، لا سيما بالنظر إلى مدى تأخرنا في الانتقال إلى الطاقة النظيفة، ولكن لا يزال على صانعي السياسات ذوي الأموال العامة المحدودة اتخاذ خيارات صعبة بشأن التقنيات الصحيحة، وأعربت مارغريت فيستاجر، المفوضة الأوروبية للمنافسة، عن مخاوفها بشأن سباق الإعانات، إذ يمكن لسياسات الطاقة التي تعتمد مبدأ إفقار الجار أن تعرقل في نهاية المطاف التحول الأخضر العالمي؛ وفي ملاحظات بعيدة الأثر بشأن الاستراتيجية الصناعية الأميركية، قال مدير المجلس الاقتصادي الوطني، بريان ديس: «لسنا قريبين من نقطة التشبع العالمية للاستثمارات المطلوبة».

إن السباق المبكر والمهم الذي يجب مشاهدته هو ذلك الذي يتنافس فيه الوقود السائل الأكثر حفاظا على البيئة مع الخيارات الكهربائية البحثة، وكلاهما يتمتعان بمزايا معينة، ولكن هناك أسئلة صعبة بشأن ماهية الخيارات التي تشكل ميزة، ومن يستفيد منها.

وقد يكون من الأسهل استبدال الوقود السائل باستخدام البنية التحتية الحالية لخطوط الأنابيب، والأفران، ومحركات الاحتراق الداخلي، لكن الفيزياء تفضل الكهربة في الغالبية العظمى من الحالات، خصوصا في المباني ووسائل النقل، التي تشكل معًا ما يقارب 40 في المئة من إجمالي الانبعاثات، ومن الواضح أن الانتقال الكلي إلى الكهرباء فيما يتعلق بالمضخات الحرارية والمركبات الكهربائية هو الحل الأفضل على المدى الطويل. إن تدفئة المنزل وتبريده بالكهرباء أكثر فعالية خمس مرات من استخدام تلك الكهرباء لإنتاج وقود سائل؛ إذ يمكن للسيارات الكهربائية أن تقطع خمسة أضعاف المسافة التي تقطعها العربات التي يعمل محركها بالوقود السائل الأخضر، والذي غالبا ما يطلق عليه اسم «الوقود الإلكتروني» أو «الوقود الكهربائي»، باستخدام الطاقة نفسها.

ومع ذلك، قد يظل الوقود الإلكتروني خيارا واعدا للصناعة، التي تمثل ما يقارب ربع إجمالي الانبعاثات، إذ غالبا ما تتطلب عمليات التصنيع الحالية احتراق الغازات لخلق درجات حرارة عالية، ويحترق الهيدروجين عند أكثر من 2000 درجة مئوية (3600 درجة فهرنهايت)، مما يجعله مناسبا تماما لإنتاج الإسمنت أو الزجاج أو الفولاذ، ويتطلع مصممو تكنولوجيا صناعة الصلب منخفضة الكربون الرائدة لجعل الهيدروجين الوقود المفضل بدل الفحم.

ولكن قد تلوح في الأفق حلول أخرى بسبب المنافسة بين رواد الأعمال فيما يتعلق بإعادة اختراع العمليات الصناعية الراسخة، إذ اكتشفت شركة Chement (شيمانت) الناشئة طريقة لإنتاج الإسمنت في درجة حرارة الغرفة، وتعتمد Electra (إليكترا) عملية إنتاج الفولاذ عند 60 درجة مئوية. صحيح أنه لم نر بعد ما إذا كانت أي من الشركتين ستحدث ثورة في صناعتها، ولا تعني نجاحاتها المبكرة بالضرورة أن الوقود السائل الأخضر لن يكون أو لا ينبغي أن يكون جزءا من الحل. ولكن احتمال حدوث تغيير في هذه القطاعات يوضح سبب وجوب توخي الحكومات الحذر من دعم الطاقة الحالية أو الشركات الصناعية التي تضغط بشدة من أجل دعم التكنولوجيا المفضلة لديها.

وتصبح الأمور أكثر تعقيدا عندما تدعي شركة ناشئة أنها تستطيع إزالة الكربون من نظام الطاقة ببساطة عن طريق استبدال الوقود السائل الأخضر بالوقود المتسخ. ويمكن أن يكون الوعد بتقديم حلول تكونولوجية تتسم بالسلاسة محيرًا للغاية، وكما قال مؤسس مصنع Tree Energy Solutions منتج «الغاز الأخضر» مؤخرًا، «يمكننا الذهاب في السفن نفسها، والأنابيب نفسها، والمصانع نفسها» وقد يكون لهذا النوع من المقايضة مزايا مبكرة كبيرة، خاصة بالنسبة للصناعات التي ستظل بحاجة إلى حرق الوقود السائل.

ولكن هناك أيضا المخاطر الأخلاقية الخضراء، حيث يؤدي مجرد الوعد بحلول تكنولوجية بسيطة إلى إضعاف الحافز لمتابعة تحول يكون أكثر شمولاً وتفوقا في نهاية المطاف، إذ إن الاعتماد على الوقود الإلكتروني الباهظ الثمن في العمليات الصناعية النادرة التي يصعب تخفيفها شيء، واستخدامه لتدفئة المنازل وفي التنقلات اليومية عند توفر بدائل مفضلة تقنيا واقتصاديا شيء آخر.

وكما هي الحال في كثير من الأحيان، يمتلك الألمان مصطلحا جديدا مثاليا للتصدي للتحدي المطروح: Technologieoffenheit، «تيكنولوجي أوفنهايت»، الذي يشير ضمنيا إلى الانفتاح على التكنولوجيات الجديدة والحذر من الوقف المبكر للحلول الرديئة، ولكن الانفتاح يجب ألا يعني التخلص من الحقائق المادية الأساسية. وفي خضم أزمة الطاقة هذا العام، تفرض المصالح المكتسبة من التكنولوجيات التي قد تتلاشى بخلاف ذلك فكرة التركيز على الانفتاح مع التخلص من الحاجة إلى الأفكار بعيدة المدى.

وأخيرا، نحتاج إلى سياسة جديدة وقرارات تنظيمية واستثمارية لوقف تقنية أخرى غير فعالة للغاية على المدى الطويل، إن أنجح رواد الأعمال يجيدون التركيز على المهمة الرئيسة المطروحة بدلاً من السماح لكل ما يلمع بتشتيت انتباههم، وسيحتاج صانعو السياسات إلى فعل الشيء نفسه فيما يتعلق بتحديد التكنولوجيات التي يجب تعزيزها، وتلك التي يجب إزالتها.

* جيرنوت واغنر خبير اقتصادي مناخي في كلية كولومبيا للأعمال.