أكثر الشعوب كرهاً للقنابل النووية هو الشعب الياباني، فقد دفع الثمن غالياً من حياته لكنه نجح في تصحيح أخطائه، وكثيراً ما يطرح السؤال على اليابانيين، لقد ضربتكم أميركا بالقنابل الذرية فلماذا تتعاملون معها؟

هذا السؤال دفعني لقراءة كتاب «العرب وجهة نظر يابانية» للمؤلف «نوتوهارا» الذي أمضى أربعين عاماً من عمره وهو يتنقل بين الدولة العربية، فإلى ماذا انتهى؟ يقول «علينا نحن اليابانيين أن نعي أخطاءنا في الحرب العالمية الثانية أولاً، ثم نصحح هذه الأخطاء، ونتخلص من الأسباب التي أدت إلى القمع في اليابان وخارجها، إذاً المشكلة ليست في أن نكره أميركا أم لا، المشكلة في أن نعرف دورنا بصورة صحيحة ثم نمارس نقداً بلا مجاملة لأنفسنا، بعدئذ نختار الطريق الذي يصحح الانحراف ويمنع تكراره في المستقبل».

Ad

لكن ماذا وجد في العالم العربي؟ يضيف «لقد عانيت بنفسي غياب العدالة الاجتماعية وتهميش المواطن وإذلاله وانتشار القمع بشكل لا يليق بالإنسان، وغياب كل أنواع الحرية كحرية الرأي والمعتقد والسلوك، كما عرفت كيف يضحى المجتمع بالأفراد الموهوبين والمخلصين، وكيف يغلب على سلوك الناس عدم الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والوطن» ثم يطرح على نفسه والآخرين مجموعة أسئلة بسيطة وصعبة:

لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم؟

لماذا لا ينتقد العرب أخطاءهم؟

لماذا يكرر العرب الأخطاء نفسها؟

ترى كم يحتاج العرب من الوقت كي يستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطاءهم ويضعوا أنفسهم على الطريق السليم؟

لن أطيل عليكم الكلام لكن بودي أن يقرأ هذا الكتاب كل مواطن عربي، لأنني شعرت أنه يتكلم بلسان حالنا، فعندما كان يسمع كلمات مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية المواطن وسيادة الشعب، كان يشعر أن الحكومة لا تعامل الناس بجدية بل تسخر منهم وتضحك عليهم!! والمشكلة أن الشخصية العربية تحت لسانها جمرة، وظروف المجتمع العربي الشديدة تحتاج إلى جمرة حتى لا تبقى تعاني البرد.

وما زادني تشويقاً بالوقوف على تجربة الياباني وعقليته كتاب المرحوم فخري شهاب الذي غادرنا إلى مثواه الأخير قبل أيام بعنوان «اليابان كما عرفتها»، وما دفعه إلى تدوين تلك التجربة «أن الأمة العربية تمر في فترة يأس قاتم» وهذ ما جعله يذهب إلى التذكير بما حصل في اليابان، فهناك أمة منيت بأقسى محنة قاسية، عقدت النية في أظلم ساعات محنتها، أنها وإن خسرت الحرب فلن تثنيها عقبة عن كسب السلام.

حاول فخري شهاب أن يوصل رسالة إلى النخبة المثقفة في العالم العربي وإلى القراء العرب مفادها أن الأمة اليابانية الشرقية نجحت في التعامل مع الغرب واللحاق به والانتصار عليه وحققت معجزة اقتصادية بعد أن أجرت الإصلاحات المطلوبة على النظام، وكيف أرغم الغرب الصناعي على قبولها واحتلال مقعدها الدائم بين الدول الصناعية السبع.

وبعد ذلك وحين نعرض لرؤية شخصيتين، واحدة يابانية عاشت في العواصم والصحارى العربية أربعين سنة، وتعلمت لغتنا وقرأت تاريخنا، وأخرى عربية عاصرت اليابانيين ودرست تجربتهم كان يحدوها الأمل أن نأخذ جرعة من الإصلاحات ونتوقف عن التدمير والتخريب لمجتمعاتنا ودولنا؟ فهل من يسمع أو يتعلم؟

● حمزة عليان