أفضى قرار مجموعة أوبك بلس الأسبوع الماضي بخفض إنتاج النفط بنحو مليونَي برميل يوميا، اعتبارا من شهر نوفمبر المقبل حتى نهاية عام 2023، إلى ردود فعل حادة؛ سواء على صعيد الأسواق النفطية وتوقّعاتها لسعر برميل النفط الخام، أو على مستوى العلاقات الدولية بين الدول المتضررة من القرار، لا سيما الولايات المتحدة التي أنحت باللائمة على أكبر عضوين في المجموعة النفطية، وهما روسيا والسعودية.

Ad

وفيما اعتبرت مجموعة أوبك بلس أن قرار خفض الإنتاج بـ 2 بالمئة من حجم الإنتاج اليومي العالمي من النفط إلى 41.856 مليون برميل يومياً في نوفمبر المقبل وجيه من الناحية الفنية، دون أي اعتبارات سياسية، نظرا للتحديات الاقتصادية الصعبة في العالم، بالتوازي مع تباطؤ توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي العالمي من 6 بالمئة لعام 2021 إلى 3.2 بالمئة عام 2022، ثم 2.7 بالمئة لعام 2023، فيما يمثّل أضعف صور النمو منذ عام 2001، باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية والمرحلة الصعبة من جائحة كورونا، ناهيك بالبيئة الصعبة التي خلّفتها الحرب الروسية - الأوكرانية ومخاطر موجات جائحة كوفيد - 19، فضلا عن تشديد السياسات النقدية، خصوصا رفع أسعار الفائدة بالولايات المتحدة على الطلب النفطي في العالم.

أما الولايات المتحدة فكانت أكثر شدة في ردود الفعل من حلفائها الأوروبيين الذين يعانون أزمة طاقة مع روسيا، إذ أخذت القرار على محمل السياسة أكثر من الاقتصاد، باعتباره داعما لارتفاع أسعار البنزين في أميركا، وبالتالي التضخم قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، بما يهدد من احتمالات محافظة حزب الرئيس بايدن «الديموقراطي» على أغلبيته، كما أن قرار الخفض سيدعم عوائد الطاقة الروسية في أثناء الحرب بأوكرانيا، التي تحاول أميركا مع حلفائها في أوروبا العمل على وضع سقف سعري لمنع روسيا من تحقيق عائدات مالية تموّل حربها في أوكرانيا، ناهيك بأن ارتفاع أسعار النفط سينعكس سلبا على المستهلكين، في وقت لم تتعافَ اقتصادات معظم دول العالم من آثار جائحة كورونا أو تداعيات الحرب في أوكرانيا.

خيارات الأميركان

وأيا كانت حجج طرفَي الخلاف، فإنه من الواضح غضب الولايات المتحدة من سياسات «أوبك بلس»، لا سيما السعودية وروسيا، وهو ما يجعل أبرز سؤال في هذا الإطار هو: ما خيارات الولايات المتحدة في التعامل مع رفض «أوبك بلس» ضغوطها في مجال إنتاج النفط؟

في الحقيقة، تمتلك الولايات المتحدة العديد من الأدوات والخيارات؛ سواء على المديين القصير أو الطويل، وهي لن تتوقف عند تلك الخطة البعيدة المدى المتمثلة بدعم الاستثمار فيما يُعرف بـ «خطة الرئيس جو بايدن» الضخمة للاستثمار في المناخ والصحّة التي وافق عليها «الكونغرس» في شهر أغسطس الماضي، بكل ما تمثّله من تحدّ كبير لمصدّري النفط التقليديين، لا سيما في محاورها الخاصة بخفض الانبعاثات الكربونية حتى عام 2030، ولن تقتصر على الإجراء القصير الأمد المرتبط بإعادة استخدام سياسات بيع الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي - باعت 180 مليون برميل منذ مارس الماضي - لتحقيق توازن سريع ومحدود في الأسواق، إنما قد تكون - مع استثناء الضغوط السياسية على الدول المنتجة - مرتكزةً على مساع لزيادة الإنتاج النفطي من دول أخرى، كرفع العقوبات الأميركية عن فنزويلا أو تسريع إبرام الاتفاق النووي مع إيران، أو دعم أي جهود لتهدئة الأوضاع في ليبيا لضخّ كميات نفط تعوّض فاقد الإنتاج الذي حددته مجموعة أوبك بلس، ناهيك بعمل الكونغرس الأميركي على حظر الصادرات البترولية الأميركية إلى الأسواق الخارجية، أو تحفيز منتجي النفط الصخري على زيادة إنتاجهم - رغم تناقضه مع خطة بايدن نحو البيئة النظيفة - وكذلك التفاهم مع «الكونغرس» لإحياء ما يُعرف بقانون «نوبك»، الذي يتيح رفع دعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار ضد الدول الأعضاء بمنظمة أوبك، مما يجعلها عرضة لعقوبات مالية قاسية بصفتها دولا احتكارية لأهم منتج طاقة في العالم، وتمارس تدخلات تحدد أسعاره للمستهلكين، حسب الرأي الأميركي.

جدية الالتزام

وفي الحقيقة، فإن بعض ما تسرّب لوكالات الأنباء الأسبوع الجاري بشأن التزام دول أوبك بلس بقرار المجموعة ربّما يقلل من قوة قرار خفض الإنتاج وفاعليته، بل يجعله محلا للنقاش في الاسواق النفطية، إذ اعتبر المرشح الأبرز لرئاسة الوزراء في العراق محمد شيّاع السوداني، لصحيفة وول ستريت جورنال، أن «العراق لا يمكن تحمّل خفض إنتاجه النفطي كجزء من تحرّك (أوبك +) لخفض الإنتاج»، مشيراً إلى أن «البلاد بحاجة إلى الأموال لتعزيز اقتصادها المتعثر»، كما كشفت وكالة رويترز للأنباء أن شركة أرامكو السعودية أبلغت خمسة على الأقل من المشترين في شمال آسيا بأنها ستورّد إليهم الكميات المتعاقد عليها من النفط الخام كاملة في نوفمبر، رغم قرارالخفض، في وقت قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، إن الخفض الحقيقي للإمدادات سيتراوح بين مليون و1.1 مليون برميل يوميا، فضلا عن أن كل التصورات في السوق تشير الى أن إيران وفنزويلا لن تتقيدا حال عودتهما إلى الإنتاج بأي سقف للتصدير.

تحديات الخليج

وأيا كانت خيارات المستهلكين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، أو التزام المنتجين بتعدد مصالحهم، فإن الرسالة الموجهة غالبا لدول الخليج المنتجة للنفط أنها أمام تحديات غير مسبوقة تتعلق بأسعار النفط العالمية، وأن التعامل بمرونة أمام هذه التحديات يتطلب تنوعاً في الاقتصاد الخليجي ومصادر إيرادات المالية العامة، كيلا نصبح دائما عُرضة لضغوط خارجة عن إرادتنا، كما حدث في جائحة كوفيد 19، أو نواجه ابتزازا يتمثّل مرة في سياسات بيئية وأخرى في عقوبات احتكارية، ناهيك بظروف الأسواق التي لا تنتهى وتأتي على صيغ مصاعب النمو العالمي والحروب التجارية وغيرهما.