مع احتدام «الحراك الشعبي» المندد بقمع النظام الإيراني للحريات الشخصية، وتردي الأوضاع المعيشية للأسبوع الرابع على التوالي، أضرب عمال بمشروع «بتروکیماویات بوشهر» الواقع في عسلوية، جنوبي إيران، ونظموا وقفة تضامنية مع الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ منتصف سبتمبر الماضي. ‏وتظهر مقاطع فيديو انتشرت، أمس، أن عمال البتروكيماويات المضربين في عسلويه، أشعلوا النار في إطارات السيارات على الطرق، لشل حركة السير، وعرقلة تقدم قوات الأمن.

وردد العمال شعارات مثل «الموت للديكتاتور»، في إشارة إلى المرشد علي خامنئي.

Ad

وأصدر المجلس المنظم لاحتجاجات عمال عقود النفط بياناً يحذر من أنه إذا لم يضع النظام الإيراني حداً للقمع المميت للانتفاضة العارمة في البلاد، فإن هؤلاء العمال سيواصلون الإضراب عن العمل. وبعد البيان، كتب بعض الموظفين الرسميين في صناعة النفط محذرين الحكومة من مواصلة القمع، وطالبوها بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، وإنهاء مظاهر عسكرة الشوارع والمؤسسات النفطية.

احتجاجات وسيناريو زاهدان

في غضون ذلك، أفاد نشطاء بسماع طلقات نارية وانفجارات بشوارع مدينة سنندج الكردية، غربي إيران، التي تعتبر مهد انطلاقات الاحتجاجات.

وذكر نشطاء أن شخصا واحدا قتل برصاص قوات الأمن بإحدى القرى القريبة من سنندج.

وأفادت منظمة «هنغاو» الكردية، بأن سنندج، التي تعد عاصمة محافظة كردستان الإيرانية، لاتزال تحت وابل كثيف من إطلاق النار، ولا يتوقف صوته في مناطق مثل بهاران والطريق السريع 25.

وقالت المنظمة إن «النظام الإيراني يريد خلق مجزرة أخرى في المدينة»، في إشارة على ما يبدو إلى سقوط نحو 50 قتيلا بيوم واحد خلال صدامات بين الأهالي والأمن في زاهدان عاصمة بلوشستان وسيستان.

وذكرت وكالة «فارس» شبه الرسمية، أن محافظ كردستان، إسماعيل كوشه، زعم دون تقديم أدلة أن جماعات مجهولة خططت لقتل شبان في الشوارع يوم السبت. وخرجت عدة مسيرات منددة بالسلطات الإيرانية في مدن مهاباد بأذربيجان الغربية وزنجان.

كما نظمت احتجاجات في نازي آباد وليزر بالعاصمة طهران. وخرجت تظاهرات حاشدة في سالاس باباجاني بمحافظة كرمانشاه للمرة الأولى منذ بدء الموجة التي أطلقتها وفاة مهسا أميني.

في موازاة ذلك، استمرت انتفاضة الطلاب والطالبات على مستوى البلاد ضد الحكومة، ونظم طلاب بعدة جامعات بينها سوهانك للفنون مسيرات احتجاجية.

معركة الشباب

في هذه الأثناء، اتهم قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي من وصفهم بـ «أعداء إيران» بمحاولة «جر المعركة إلى الشباب الإيراني»، مخاطباً الشباب بالقول: «احذروا أن تكونوا ورقة بيد الأعداء أو أداة بيد الدول الأخرى». وأضاف: «نقول للأعداء سنزحف إليكم بهؤلاء الشباب الذين غررتم بهم». من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن على الزوار الأجانب القادمين لإيران احترام قوانين الجمهورية الإسلامية.

وأضاف كنعاني ان ما يحدث في البلاد من اضطرابات وأعمال شغب في الأيام الماضية، «شأن داخلي»، داعياً الدول الأوروبية إلى عدم التدخل.

وتابع: «قالت إيران مراراً إنها تستمع للاحتجاجات والنقد وتؤمن بالحوار، لكن بصفتها الوصي على أمن مواطنيها، لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي في وجه الفوضى والاضطراب».

وخاطب كنعاني الدول الأوروبية، قائلا: «أولئك الذين ينصحون إيران باللاعنف، يسمحون للبعض باتخاذ إجراءات عنيفة ضد السفارات الإيرانية في بلدانهم».

وأردف قائلا: «سمعنا أصواتاً في الغرب ربطت عملية المحادثات النووية بالقضايا الداخلية الأخيرة في إيران وغذت انتشار الأخبار الكاذبة وغير الدقيقة»، مؤكداً أنّ إيران «سترد بحزم على أي ابتزاز وضغوط».

وأشار المتحدث إلى وجود دور لبعض رعايا الدول الغربية في الأحداث الأخيرة في إيران، وقال: «التحقيقات جارية وتم إبلاغ سفاراتهم».

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة المخابرات الإيرانية عن اعتقال 9 أجانب من جنسيات أوروبية مختلفة.

عقوبات بريطانية

وفي وقت تكتسب الاحتجاجات الإيرانية المزيد من الدعم الدولي، فرضت بريطانيا عقوبات على مسؤولين أمنيين إيرانيين كبار، وما تسمى بشرطة الآداب الإيرانية، موضحة أنها لجأت للتهديد بالاحتجاز والعنف للتحكم فيما ترتديه الإيرانيات، وفرض الرقابة على سلوكهن في الأماكن العامة.

وقال وزير الخارجية جيمس كليفرلي في بيان: «هذه العقوبات تبعث برسالة واضحة إلى السلطات الإيرانية، وهي سنحاسبكم على قمعكم للنساء والفتيات وأعمال العنف المروعة التي مارستموها ضد شعبكم».

وشملت العقوبات منع رئيس شرطة الآداب الإيرانية من السفر وتجميد أصوله. كما أصدرت لندن قراراً بتجميد أصول رئيس منظمة «الباسيج» التابعة للحرس الثوري ومنعه من السفر.

في السياق، قال القائم بأعمال السفارة الإيرانية في لندن، مهدي حسيني متين، إن الهدوء يسود حالياً سفارة بلاده، بعدما تعرض مقرها لهجوم من قبل عناصر «مناهضة للثورة الإسلامية»، مشيراً إلى إعادة رفع علم الجمهورية الإسلامية عليه مجدداً.

وأعلنت الشرطة إلقاء القبض على خمسة رجال بتهمة إلحاق ضرر بمكتب القائم بالأعمال الإيراني، واحتجاز ثلاثة رجال آخرين وامرأة لتسببهم في فوضى ومهاجمة قوات الشرطة، واتلاف نوافذ بمقر السفارة.

ولاحقاً، ألغت السلطات البريطانية حفل المطرب الإيراني، داريوش إقبالي، في لندن بسبب تهديد أمني، من مصدر مجهول، وطلب مسؤولو القاعة من المشاركين مغادرة القاعة على الفور.

وبعد المغادرة رددت مجموعة من المشاركين شعارات «الموت لخامنئي»، و«المرأة، الحياة، الحرية» في الشوارع المحيطة بالقاعة.

عائلة شاكرمي تتحدى السلطات
رفضت والدة نيكا شاكرمي، إحدى ضحايا الاحتجاجات، مرة أخرى، الروايات التي قدمتها الحكومة الإيرانية عن مقتل ابنتها البالغة 16 عاما، ودعت في تصريحات لصحيفة «اعتماد» إلى «التحقيق في قضية ابنتي دون ضغوط وبشفافية، وأن يتحمل المسؤولون عن هذا الحادث المأساوي مسؤوليتهم». وروت أن ابنتها اتصلت بها خلال مشاركتها باحتجاج في 20 سبتمبر الماضي عندما كانت تفر من قوات الأمن، مضيفة أن السلطات بادرت الى دفن جثتها دون إذن من العائلة في قرية نائية بلرستان، «من حقي أن أختار مكان دفن ابنتي وأبكي بجانبها وأتحدث معها».

وتزعم السلطات ان شاكرمي فارقت الحياة بعد سقوطها من مكان مرتفع، إلا أن الرواية الرسمية مليئة بالثغرات. وأُجبرت شقيقة وشقيق نيكا على الإدلاء بتصريحات كاذبة، وكذلك خالها وخالتها التي أفرج عنها أمس الأول. وأحرج إصرار العائلة على موقفها رغم المخاطر الأمنية، السلطات.