منذ إقرار خطة «بريكست»، حصل تباعد واضح بين بريطانيا وفرنسا، فشارك قادة من البلدَين في حرب كلامية متقطعة، لكن رغم هذه التصدعات السياسية، تبدو بريطانيا وفرنسا أكثر شَبَهاً ببعضهما مع مرور الوقت، فاليوم، يصعب التمييز بين الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية القائمة على طرفَي نفق المانش.

من المتوقع أن يتعامل البلدان مع موجة من الإضرابات خلال الأشهر المقبلة، فبعد فترة عابرة من الهدوء خلال الصيف، بدأ العمال الفرنسيون يتحركون مجدداً: نظّم القطاع العام ونقابات عمال السكك الحديدية إضراباً وطنياً لزيادة أجورهم في الأسبوع الماضي، وحتى النقابات المعتدلة بدأت تُهدد الآن بوقف العمل بشكلٍ جماعي إذا تابع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إصلاحاته في قطاع العمل، وفي غضون ذلك، بدأت بريطانيا تكتسب هذه العادات الفرنسية عبر تنظيم إضرابات في جميع القطاعات الاقتصادية احتجاجاً على تدهور المعيشة منذ أشهر، فقد تتخذ هذه التحركات منحىً سياسياً متزايداً، كما حصل في فرنسا، حين تحاول حكومة ليز تراس تطبيق إصلاحاتها المقترحة على مستوى النقابات العمالية.

Ad

لا يُعتبر الوضع السياسي في بريطانيا سيئاً بقدر فرنسا، لكنه قد يصبح كذلك، وتبدو تراس معزولة نسبياً داخل حزبها، فقد امتنع معظم النواب المحافظين عن دعم حملتها، كذلك، تواجه رئيسة الوزراء معارضة متوسعة من أوساطها الخاصة بعد أسابيع قليلة على استلامها منصبها، فتغيّر مسار تطبيق ضريبة الدخل التي تبلغ نسبتها 45 في المئة بعدما أعلن 12 نائباً من حزب المحافظين أنهم لن يدعموا هذا القرار، وإذا تابعت تراس مواجهة معارضة مماثلة لميزانيتها المصغّرة، قد تضطر لإقرار عدد من التدابير الصارمة التي فرضها ماكرون.

في الوقت نفسه، تتعدد المشاكل الاقتصادية المتشابهة في البلدين، فلا تزال بريطانيا (ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا) وفرنسا (ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا) تتعاملان مع حد أدنى من النمو، وقد تراجعت فرنسا من المرتبة السادسة إلى السابعة في تصنيفات الناتج المحلي الإجمالي العالمية، فتفوّقت عليها الهند، في حين تحافظ بريطانيا على مرتبتها الخامسة بصعوبة، لكن يبقى الفارق بين الاقتصادَين ضئيلاً.

على صعيد آخر، حاولت حكومة ليز تراس أن تطبّق خطوات ماكرون للتعامل مع ارتفاع كلفة الطاقة، فاضطرت لإقرار حزمة دعم بقيمة 60 مليار جنيه إسترليني للأُسَر والشركات في الشهر الماضي، وتزامنت هذه الخطوة مع فرض تخفيضات ضريبية بقيمة عشرات مليارات الجنيهات، ونتيجةً لذلك، من المتوقع أن تتضخم الديون، مع أن البلد يستطيع الاتكال على بعض العناصر المُطَمْئِنة، إذ يُعتبر دين بريطانيا نسبةً إلى ناتجها المحلي الإجمالي الأدنى مستوى مقارنةً بدول مجموعة السبع (نحو 95 في المئة)، وهو يبقى أقل من دين فرنسا (115 في المئة).

لكنّ وضع بريطانيا ليس جيداً على جميع المستويات: سجّلت فرنسا وبريطانيا معاً عجزاً قياسياً في ميزان المدفوعات، وهما تتعاملان مع عجز كبير في الميزانية (7.1 في المئة في بريطانيا، و5 في المئة في فرنسا). يسعى ماكرون إلى تقليص أعلى معدلات الضرائب الشخصية (كي تقتصر على 48 في المئة)، وقد خفّض الضرائب المفروضة على الشركات، ورفض إقرار ضريبة على الأرباح غير المتوقعة رغم السخط العام، كما يُصِرّ ماكرون ووزير المالية برونو لومير على إمكانية تمويل جميع النفقات عبر النمو الاقتصادي، ويبدو أن تدابيره ألهمت ليز تراس التي قررت طرح حزمة مالية مشابهة، مع أن الناخبين لا يؤيدون جزءاً من هذه الإجراءات.

تكثر نقاط التشابه بين بريطانيا وفرنسا إذاً، مع أن السياسيين في البلدين قد لا يعترفون بذلك، ويجب أن يدرك الفريق الذي ينسب اضطرابات بريطانيا الراهنة إلى خطة «بريكست» أن فرنسا تتعامل بدورها مع جزء كبير من مشاكل البريطانيين، ويواجه البلدان مجموعة مشابهة من المصاعب الاقتصادية والمالية، ويبدو أنهما يسلكان المسار السياسي نفسه.

* جون كيغر

The Spectator