وكأنني كنت أقرأ قصص ألف ليلة وليلة، فأنتهي من قصة لأقلب الصفحة لقراءة قصة أخرى، فأنسى تفاصيل القصة السابقة، على الرغم من أنني أنهيتها قبل ثوان معدودة، هذه بالضبط حالنا اليوم، فقبل أربعة أشهر كنا مهمومين بفساد مؤسسات الدولة، وعنصرية الواسطة وعدم عدالة المحسوبية وتضييع الهوية الكويتية بالتزوير والمزدوجين، وسوالف الطرق المكسرة والقوانين المجمدة، ثم فجأة تتغير أحوالنا بمقدار 180 درجة بعد حل مجلس الأمة وانتخاب أعضاء لمجلس أمة جديد، فهل تحول الشياطين إلى ملائكة مثلاً، واختفت حالات الفساد لنتحول إلى مدينة فاضلة؟ وهل كان الفساد قصة رعب قلبنا صفحتها؟ شخصياً لم أجد حكومة صادقة على كوكب الأرض، لأن الدول المعروفة بعراقة ديموقراطياتها، مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، لديها برلمانات تشرع قوانين وتراقب وتحاسب حكوماتها، ولو كانت حكوماتها تعمل بصدق وإخلاص لأوطانها لما احتاجت شعوب هذه الدول لبرلمان، فأي حكومة كويتية قادرة على الخروج من رحم أزماتنا السياسية والتعليمية والصحية والإسكانية، لتحقق طموحات القيادة السياسية وأحلام الشعب؟ هل يعقل أن نرى حكومة تتبرأ من عاداتها وتقاليدها «الأصيلة» وتحاول أن تجنح إلى الحياد الإيجابي حتى لو كان ضد مصالحها «الشخصية»، بعد عقود من التعامل الحكومي «الجلف» مع العمل البرلماني، ومع مبادئ الديموقراطية وحرية التعبير، سواء بالمال السياسي أو بالتدخل في انتخابات رئاسة مجلس الأمة أو اللجان البرلمانية، أفبعد كل هذه الممارسات هل يعقل أن تتشكل حكومة جديدة بعيدة عن أعراف المحاصصة وبروتوكولات القبلية وفتاوى الطائفية لحل معضلاتنا الأزلية؟ أقول هذا لأن الانتخابات الأخيرة أفرزت تشكيلة غير متجانسة من الكيانات السياسية والقبلية والطائفية، فهناك 19 عضواً ينتمون إلى المجلس المنحل، والموصوفون ضمن خطاب صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح، حفظه الله ورعاه، وألقاه نيابة عن سموه ولي العهد سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح، حفظه الله، عندما قال إن المشهد السياسي مزقته الاختلافات، ودمرته الصراعات، وسيرته المصالح والأهواء الشخصية على حساب استقرار الوطن، بسبب (تصدع العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتدخل التشريعية في عمل التنفيذية، وتخلي التنفيذية عن القيام بدورها المطلوب منها بالشكل الصحيح، وعدم التزام البعض بالقسم العظيم، الذي تعهد به على نفسه بالعمل على تحقيق الاستقرار السياسي، وتكريس خدمته للوطن والمواطنين). أفبعد هذا الوصف السامي لأوضاع السلطتين، وما أفرزته الانتخابات الأخيرة يمكننا ضمان حسن سير الأداء الحكومي والبرلماني؟

أنا أؤمن بمقولة «لو خليت خربت»، وأعرف جيداً أن من بين الأعضاء الخمسين في المجلس الأخير المنحل مواطنين مخلصين، إلا أن المشكلة في ما نفهمه من الخير الذي يخص والشر الذي يعم، فقد أفرزت هذه الانتخابات أعضاء من مجالس مبطلة يشكلون خُمس المجلس الجديد، كما أفرزت هذه الانتخابات تشكيلة متباينة من الإسلاميين (حدس والتجمع السلفي، والائتلاف الإسلامي والعدالة والسلام والإسلاميين المستقلين)، دع عنك النواب القبليين، فحتى لو آمنا بأن الأعضاء الخمسين يمثلون الأمة كلها لا دائرة انتخابية بعينها، فإن هناك متطلبات حزبية وسياسية وشخصية تؤخذ بعين الاعتبار. ولهذا، فعلى الرغم من أنني مؤمن بمقولة «تفاءلوا بالخير تجدوه»، فإنه في ظل هذه التوليفة البرلمانية غير المتجانسة من أعضاء يفيضون بحماس الشباب، كل يحاول تحقيق برنامجه الانتخابي المختلف عن الآخر، أشك أن يتمكن أي رئيس أن يسيطر على اندفاعات أعضاء كهؤلاء.

Ad

يوسف عبدالكريم الزنكوي