الكويت اليوم تعيش حقبة كويت تصحيح المسار، وهناك مؤشرات تبشر بذلك، فقد بدأت حملة تصحيحية بتبديل وإقالة بعض من هيمنوا بلا وجه حق على مفاصل مهمة في البلد، كما أن هناك بعض الملاحقات على بعض الفاسدين، وهناك أحكام سجن واسترجاع أموال من بعض الناهبين والمختلسين، ولكن بالتأكيد هذا ليس كافيا ولا مقنعا ما لم تتم محاسبة النهّابة الكبار، وحيتان الفساد فهم ما زالوا يتمتعون بما نهبوه داخل الكويت وخارجها.

التصحيح يبدأ من الأعلى، فالكل ملم بالجرم الذي ارتكب بحق الكويت خلال عقود من ترسيخ مبادئ مدمرة، جعلت من الكويت بلا مبالغة بؤرة ومركزا ومثالا سيئا لا يريد ولا يتمنى أحد أن يقتدي به، فخلال تلك الحقبة السيئة عم الفساد وترسخ مبدأ التزوير في كل شيء، وأصبحت الرشوة هي الطريق لتيسير الأمور.

Ad

سمو الأمير وسمو نائبه طلبا من الكويتيين حسن اختيار النواب وإلا سيتم اتخاذ إجراءات صارمة لإنقاذ الكويت من براثن المتكالبين على ثرواتها، وهذا تحذير لن يكون في مصلحة الفاسدين والمتسلقين، الشعب انتخب مجلسا لا ندّعي أنه جاء كما تمناه الكثيرون، لكننا نأمل أن يكون عند حسن ظن ولي الأمر، ونتمنى أن نخرج من عنق الزجاجة، ومن مرحلة التأزيم والتناحر.

الغريب أن نتائج الانتخابات أسعدت الغالبية العظمى ليس بسبب فوز البعض ولكن للسقوط المستحق والمدوي لبقايا فساد سابق، هذا السقوط كشف وبلا مواربة أن فوز بعض النواب السابقين لم يكن لعبقريتهم وأدائهم ووطنيتهم، ولكن لكونهم مدعومين من متسلطين لا تمر معاملات المواطنين إلا عن طريقهم، ولما أقفل العهد الجديد الأبواب في وجوههم بانت وانكشفت سوءاتهم.

أمر آخر عجيب غريب وهو فوز مرشحين اثنين وهما خلف القضبان لأمر لا بد أنه غير قانوني، ولكن الفزعة السيئة لهم أنجحتهم، وهذا توجه لا يبشر بخير، كان الأولى أن يختار الناخبون مرشحين ليس عليهم شبهات، ولكنها الفزعة العمياء التي يجب على الكويت أن تتخلص منها.

سبقت الانتخابات حملات بعضها لا يقال عنها إلا أنها مخزية وأعطت صورة سيئة عن بعض المرشحين، أما الحملات الأخرى وللأمانة فقد كانت على المستوى الذي يمثل الرقي والنكهة الكويتية المميزة، هذه المرة لن تكون هناك صراعات وتوترات على منصب الرئيس الذي يبدو أنه قد حسم، وسيكون هناك تنافس عقلاني على منصب نائب الرئيس الذي يتمنى الكثيرون أن يعكس التعددية الكويتية.

نتمنى كما يتمنى الكثيرون أن تقوم السلطة بتحييد حيتان الفساد، وإبعادهم عن مجلس الأمة، بل حتى عن الاقتراب منه حتى لا يلوثوه كما لوثوا عدة مجالس سابقة، كما نتمنى من الحكومة أن تكبح جماح بعض النواب الذين لم يترشحوا إلا لأجل مكاسبهم الشخصية مقلدين من سبقوهم الذين تحولوا الى أصحاب ملايين، ونتمنى أن تكون أعمال ونشاطات النواب وأداؤهم محصورة تحت قبة البرلمان، وألا يسمح لهم بتمرير أي معاملات تصب في مصلحتهم الانتخابية، كما نتمنى أن ترد الحكومة التحية للشعب الكويتي بأن تبدأ بتصحيح المسار من الأعلى، وأن تبدأ من الآن باسترجاع ما نُهب، ووضع الرجل المتمكن النزيه القوي في المكان المناسب.

‏لم يكن الفوز الساحق للرئيس السابق أحمد السعدون، والأختان جنان بو شهري وعالية الخالد ود. حسن جوهر مفاجأة، ففوزهم كان رمزا للتعددية الكويتية، كما سعدنا بإعادة انتخاب بعض النواب، وفوز بعض الشباب الواعدين، أما أكثر ما أسعدنا وأسعد الجميع فهو السقوط المدوي لنواب غير مأسوف على التخلص منهم، فالشعب يريد التغيير الى الأفضل.

ظهرت لقطات لشخص قال إنه شارك في الانتخابات، وإنه الآن عائد إلى بلده، وهذا تعبير غريب فالمفهوم أن الكويت هي بلد الناخب، أمثال هذا الشخص يعدون بعشرات الآلاف إن لم يكونوا عدة مئات، هؤلاء ينافسون المنتمين لهذه الأرض في كل شيء، ويتوافدون في المواسم الانتخابية ليختاروا النائب الذي سيمثلهم في مجلس الأمة الكويتي، والذي بالتأكيد لن يشرع إلا لمصلحة من انتخبه، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، وهو وضع لا بد من تصحيحه.

طلال عبد الكريم العرب