لطالما كان الناس في وسط إيطاليا جزءاً من «الحزام الأحمر» الذي شمل سابقاً أبرز المناطق اليسارية الموثوق بها، لكن بدأ هذا الحزام يتفكك اليوم.

كان حزب «إخوة إيطاليا» القومي والمحافِظ بقيادة جورجيا ميلوني أكبر مستفيد من الانتخابات الأخيرة، إذ يشتكي الناخبون اليوم من ارتفاع مستوى التضخم بدرجة هائلة ولا يعرفون ما يجب فعله لدفع فواتير الطاقة.

Ad

يقول معظم الناخبين إنهم صوّتوا لميلوني بسبب وضعهم الاقتصادي المتردي، فإذا قررت ميلوني إذاً أن تتخذ وجهة متطرفة بعد وصولها إلى السلطة وترضي مناصريها المتطرفين عبر خوض حرب ثقافية على صلة بحقوق الإنجاب والمثليين، فسيجازف ائتلافها اليميني بخسارة دعم الناخبين الجدد. لكن صوّت هؤلاء الناخبون لميلوني أيضاً لأنهم فقدوا ثقتهم بالأحزاب القائمة، فصبّت روما تركيزها في السنتين الأخيرتين على جهود حكومة ماريو دراغي لتمويل صيانة الطرقات في وسط إيطاليا ودعم أعمال الترميم للمعالم الثقافية التي تم إهمالها لفترة طويلة.

لكن وجدت تلك المناطق الخلابة في وسط إيطاليا صعوبة في التعامل مع تراجع الزراعة التجارية منذ سنوات، فبذلت جهوداً يائسة لاستكشاف الطرق التي تسمح لها بطرح نفسها كوجهات سياحية ومراكز للتجارة والحِرَف اليدوية، لكن أدت الأزمة المالية في عام 2008 إلى انهيار السياحة الناشئة، ثم بدأ هذا القطاع يتعافى ببطء قبل أن تضربه أزمة كورونا مجدداً.

نجح البلد في تقوية اقتصاده هذه السنة، فحقق نمواً يفوق 4% في الربع الثاني من سنة 2022، لكنّ هذا النمو لن يعوّض عن عقود من الخسائر، حتى أنه لن يعوّض عن انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9% في عام 2020، وهو أكبر تراجع شهدته منطقة اليورو بعد إسبانيا.

ينسب خبراء الاقتصاد الأداء الاقتصادي المريع في إيطاليا، في آخر ربع قرن، إلى ارتفاع الضرائب، وتصلّب سوق العمل، وفرط الإنفاق الحكومي، والأعباء المرافقة للتنظيمات المفروضة، وتضخم التدابير البيروقراطية، وغياب القدرة التنافسية، لكن يظن عدد كبير من سكان شمال «لاتسيو» أن اللوم يقع على السياسيين المتّهمين بالفساد والمحسوبيات، حتى أنهم يعتبرون أعضاء الاتحاد الأوروبي في بروكسل البعيدة من بين المسؤولين عن هذا الوضع.

قد لا ينزعج السياح من أي مظاهر في «لاتسيو» الجميلة، لكن كانت فئة الشباب التي تتنافس على فرص العمل المتناقصة الأكثر تضرراً من الوضع خلال العقد الماضي. اضطر معظمهم للمغادرة لإيجاد عمل دائم براتب جيد، أما المجموعات المتبقية، فهي تتنقل بين أعمال قصيرة الأمد في مجال البيع بالتجزئة أو بقايا قطاع الضيافة الذي كان من أكبر المتضررين أيضاً.

بدأت مظاهر اليأس تتصاعد ويصبّ هذا الوضع في مصلحة الأحزاب اليمينية الشعبوية والقومية، وبدأ الاستياء المتزايد الذي يوجّه المزاج العام (أي المخاوف من تدهور الفرص الاقتصادية في ظل ارتفاع مستوى البطالة واختلال الخدمات العامة) يتحول إلى موجة معادية للمهاجرين، مما يزيد منسوب القلق والعلاقات السامة بين مختلف الفرقاء، ويعتبر «الحزب الديموقراطي» هذه المخاوف من سيطرة المهاجرين على السكان الأصليين شكلاً من كره الأجانب، لكنه لم يطلق أي رد كي لا يخسر دعم ناخبيه التقليديين في «الحزام الأحمر».

لم يقدّم معسكر اليسار المتفكك أي رؤية مضادة لإقناع أشخاص مثل ربة المنزل آنا ماريا بالتصويت لصالحه، إذ تبلغ هذه المرأة 45 عاماً، وهي تقيم في بلدة «أورفيتو»، في إقليم «أومبريا»، لقد أعلنت عشية يوم الانتخابات أنها ستكسر عادة التصويت لليساريين قائلة: «لم يحرك الحزب الديموقراطي ساكناً لإنهاء غزو المهاجرين... هؤلاء المهاجرون ليسوا منا، فنحن لا نملك المال الكافي لإعالة أنفسنا، ويعجز أولادنا عن إيجاد فرص عمل، لقد طفح الكيل».

*بول تايلور

Politico