على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أعاد الحرب إلى قلب القارة الأوروبية، تمكن أكثر تحالف يميني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 من الفوز بالانتخابات التشريعية في إيطاليا التي جرت أمس الأول، مما يعني أن جورجيا ميلوني، زعيمة حزب «فراتيلي ديتاليا» (اخوة إيطاليا) القومي اليمين المتتشد، الذي تعود جذوره للفاشية الجديدة، تستعد لتصبح أول رئيسة وزراء إيطالية، في «زلزال» سياسي، هز إحدى الدول المؤسسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو.

وبعد النجاح الذي حققه اليمين المتطرف في السويد قبل أيام، استطاع «فراتيلي ديتاليا» أن يحصل على 4. 26 في المئة من الأصوات، وفق نتائج أولية، يليه الحزب الديموقراطي (يسار الوسط) بنسبة 3. 19 في المئة، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 64.07 في المئة مقارنة بـ 73.86 في المئة في 2018.

Ad

وعلى النقيض من ذلك، شهد حليف ميلوني الرئيسي ليلة كارثية مع حصول «ليغا» (الرابطة) اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني المناهض للمهاجرين على نحو 9 في المئة من الأصوات بانخفاض أكثر من 17 في المئة عن نتائجه قبل 4 سنوات، حيث تفوقت عليه ميلوني في معاقله في جميع المناطق الشمالية التقليدية في الشمال.

وحصل حزب «فورزا إيطاليا» (هيا ايطاليا) اليمين الوسطي المحافظ بزعامة سيلفيو برلسكوني على نحو 8 في المئة.

وفي المجموع، سيحصل التحالف اليميني الذي أطلق عليه اسم تحالف يمين الوسط لطمأنة بعض شرائح الناخبين القلقين، على ما يصل إلى 47 في المئة من الأصوات، مقابل 5. 26 في المئة ليسار الوسط، و15 في المئة لحركة خمس نجوم الشعبوية المناهضة للمؤسسات والتي أعلنت أنها ستكون في صفوف المعارضة.

وقال المركز الإيطالي للدراسات الانتخابية إن «فراتيلي ديتاليا» و«ليغا» سيكونان قد حصلا معا على «أعلى نسبة من الأصوات التي سجلتها أحزاب اليمين المتطرف على الإطلاق في تاريخ أوروبا الغربية منذ عام 1945 إلى اليوم».

خطاب النصر

وفي خطاب مقتضب في روما، أعلنت ميلوني (45 عاماً) أنها ستقود الحكومة المقبلة، مضيفةً أن «الإيطاليين بعثوا رسالة واضحة لدعم حكومة يمينية بقيادة فراتيلي ديتاليا»، واعدة «بأننا سنحكم لجميع» الإيطاليين.

وتعمدت ميلوني التي ترفع شعار «الله، الوطن، العائلة» الفاشي الأصل، الحديث بلهجة تصالحية وسطية خلال الكلمة التي ألقتها أمام أنصار حزبها القومي في ساعة مبكرة من صباح امس، وقالت: «إذا تم استدعاؤنا لحكم هذا الشعب، فسنفعل ذلك من أجل جميع الإيطاليين بهدف توحيد الشعب وتمجيد ما يوحده لا ما يفرقه. لن نخون ثقتكم»، مضيفة: «يجب أن نتذكر أننا لم نصل إلى نقطة النهاية، فنحن في نقطة البداية. اعتبارا من الغد يجب أن نثبت جدارتنا».

وتابعت: «إنه وقت سيكون بوسع الإيطاليين فيه الحصول على حكومة تعبر عن إرادتهم»، منبهة الى أن «وضع إيطاليا والاتحاد الأوروبي يتطلب الآن مساهمة الجميع».

وجاءت لهجتها مناقضة الى حد ما للتهديد الذي أطلقته أمس الأول في بداية اليوم الانتخابي عندما غردت على «تويتر»: «اليوم، يمكنكم المساهمة في كتابة التاريخ»، مضيفة «في أوروبا، إنهم قلقون جميعا لرؤية ميلوني في الحكومة (...) انتهى العيد. ستبدأ إيطاليا الدفاع عن مصالحها القومية».

تحديات ومعارضة قوية

لكن ميلوني وحلفاءها يواجهون قائمة من التحديات الصعبة من بينها ارتفاع أسعار الطاقة والحرب في أوكرانيا وتجدد التباطؤ في ثالث أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو.

وسيتحتم على ميلوني معالجة الأزمة الناجمة من الارتفاع الحاد في الأسعار في وقت تواجه إيطاليا دينا يمثل 150 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان. وفي هذا السياق، إيطاليا بحاجة ماسة لاستمرار المساعدات التي يوزعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته للإنعاش الاقتصادي بعد «كوفيد - 19» والتي يمثل هذا البلد أول المستفيدين منها وبفارق كبير عن الدول الأخرى.

ويتفق الخبراء منذ الآن على أن ائتلافا حكوميا كهذا ستُواجه فيه ميلوني تحديا حقيقيا في التعامل مع حلفاء مربكين سواء برلوسكوني أو سالفيني، لن يستمر طويلا في بلد معروف بافتقاره إلى الاستقرار الحكومي.

وستشكل المعارضة مبدئيا من «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» الذي كان يحكم سابقا مع تحالفه اليساري، وزعيم «5 نجوم» رئيس الوزراء الإيطالي السابق جوزيبي كونتي و»القطب الثالث» الذي يضم حزبي «أتسيوني» (العمل) و»فيفا إيطاليا».

نشوة القوميين وأقصى اليمين

وسارع سياسيون من اليمين الأوروبي إلى تهنئة ميلوني، من «حزب البديل من أجل ألمانيا» و»التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبن الفرنسي وحزب «فوكس» الإسباني و»العدالة والقانون» البولندي، وصولاً إلى رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان الذي قال في برقية تهنئة: «نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أصدقاء يتشاركون رؤية ونهج مشتركين تجاه أوروبا».

وقال عضو البرلمان الأوروبي الفرنسي جوردان بارديلا، عن حزب لوبن إن «الإيطاليين أعطوا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين درسا في التواضع».

وكانت فون ديرلاين قالت الأسبوع الماضي إن المفوضية لديها أدوات يمكنها استخدامها لمعاقبة الدول الأعضاء، التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة. وكان زعيم حزب «ليغا» ماتيو سالفيني حليف ميلوني أن حكومة اليمين المقبلة «ليست على استعداد لتلقي الأوامر من بروكسل. لسنا خدماً لا أحد».

موقف دفاعي

في المقابل، بدت العواصم الأوروبية كأنها تتخذ موقفاً دفاعياً خصوصاً في فرنسا. وقالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، إنها لا تريد التعليق على الخيارات الديموقراطية للشعب الإيطالي، لكنها ترغب في التأكيد أن الاتحاد الأوروبي لديه قيم محددة يتمسك بها مثل حقوق الإنسان.

وذكرت بورن في تصريحات لقناة «بي إف إم» الفرنسية، امس، «من الواضح أننا سننتبه مع رئيس المفوضية الأوروبية إلى أن قيم حقوق الإنسان، والاحترام المتبادل، لاسيما احترام حقوق الإجهاض تحظى باحترام الجميع».

وقالت ميلوني إنها ستحافظ على قانون الإجهاض في البلاد والذي يسمح بإسقاط الجنين لكنه يسمح للأطباء برفض إجرائه. كما هاجمت المثلية وقالت في يونيو «نعم للعائلة الطبيعية، لا للوبي مجتمع الميم - عين! نعم للهويّة الجنسية، لا لإيديولوجيا النوع الاجتماعي».

وفي تعليق على النتائج الايطالية، قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس: «إننا نمرّ بلحظة من عدم اليقين، وفي مثل هذه اللحظات، تكتسب الشعبوية أهمية دائماً، وهي تنتهي دائمًا بالطريقة نفسها: بكارثة».

وخلص ألباريس الى القول، إن «إجابتهم (الشعبويون) هي نفسها دائمًا: دعونا ننغلق على أنفسنا ونعود إلى العيش في الماضي».

وسيؤدي وصول ميلوني إلى السلطة أيضا إلى إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنويا عشرات آلاف المهاجرين، وهو ما يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية التي تغيث مهاجرين سرا يعبرون البحر في مراكب متداعية هربا من البؤس في إفريقيا.

وقد يكون موقفها من تايوان والصين مفتاحا لها لعدم التصادم مع واشنطن اذ قالت خلال الحملة الانتخابية انها لن تجدد مذكرة التفاهم التي وقعتها حكومة جوزيبي كونتي في عام 2019 مع الصين بشأن الانضمام لمبادرة مشروع «الحزام والطريق» وأعلنت عن دعم تايوان.