روايتان تكملان بعضهما، تلقيتهما من صديقين عزيزين حول «نظام الكفيل» الذي تناولناه في مقال الأسبوع الماضي، أحدث تفاعلاً إيجابياً ولقي صدى عند معظم الذين قرؤوه، والغاية من وراء طرح الموضوع نبيلة ومخلصة وفي النهاية تصب في خدمة الكويت وسمعتها.

وفي الروايتين هناك تجربتان ورؤيتان: الأولى من النائب السابق علي سالم أبوحديدة وصاحب الخبرة في الشأن الوطني العام، والثانية من الزميل الكاتب والمؤرخ د. عادل العبدالمغني الذي يثرينا بأفكاره وتوثيقه للأحداث التي كان شاهداً عليها.

Ad

يروي السيد أبوحديدة وباختصار شديد، كيف أن المشرع الكويتي سبق عصره والآخرين، فقد كانت لديه نظرة شاملة وبعيدة، بحيث لم يترك شيئا للمصادفة، يعتقد أن ما ينقصنا هو التطبيق الفعلي والحازم ودون انتقاء، والتعامل مع الجميع بمسطرة واحدة، وبحسب معرفته فإن معظم دول الخليج التي ألغت نظام الكفيل أو هي في سبيلها إلى الإلغاء، أخذت «الأفكار» من التجربة الكويتية، سواء أعطيت التسمية «إقامة ذهبية» أو إقامة موسمية، والكويت لديها قانون مرن جداً ويلحظ تماما موضوع المستوى الاجتماعي والتعليمي وسنوات الإقامة والخبرة لدى الوافدين، لذلك خصه المشرع بالمادة (24) أي إقامة حرة، يسمونه، كفيل نفسه، متى ما استوفى الشروط المطلوبة، من سيرة حسنة وأعمال جليلة ومصدر دخل وإقامة ممتدة، وعليه لا يحتاج إلى «واسطة» أو وكيل أو وزير فقط مدير الهجرة والجوازات، وكما كان يفعل آنذاك صديقه ناصر البناي في الفترة التي تولى فيها مسؤولية الإدارة، وهو رجل نظيف وعملي، فقد أقدم على خطوة غير مسبوقة عندما أعطى عدداً من الشركات الكبرى والفنادق صلاحية إصدار «فيزا إلكترونية» من شأنها تسهيل دخول الزائرين والوافدين واكتفت الوزارة بالقيام بدور الرقابة الأمنية، وينهي أبو حديدة كلامه بالقول: علينا توفير بيئة قانونية خصوصا للعقول العربية التي تقاسمنا معها حياة كريمة وآمنة، فنحن أولى بهم وواجبنا ألا نتخلى عنهم حتى لا نفقد خبراتهم ونراهم غداً يهاجرون إلى بلد آخر كما هو حاصل الآن.

أما رواية الزميل والمؤرخ د. عادل العبدالمغني فقد سجَّلت جانباً مضيئاً نسيه الناس كان معمولاً به في الكويت بعد الاستقلال عام 1961 بالشكل التالي:

يأتي الزائر بصفته الشخصية مباشرة وتمنحه إدارة الهجرة إقامة ثلاثة شهور، وعلى الجهة التي يسكن عندها أن تبلغ الهجرة والجوازات سواء سكن في بيت أو فندق لتحديد ومعرفة مكان إقامته، ويترك له الحرية في البحث عن العمل الذي يناسبه، وفي حال وجد الوظيفة يقوم صاحب العمل بإبلاغ الهجرة والجوازات أن فلاناً يعمل لدينا ويذكر معلومات عن وظيفته وراتبه ومكان سكنه، وسواء كان في العمل نفسه أو مكان آخر، وكذلك يترك للوافد الجديد إذا ما رغب في تغيير وترك المؤسسة أو العمل الخاص الذي يعمل عنده، وله مطلق الحرية دون قيود بالطريقة السابقة نفسها، وإذا زادت المدة على ثلاثة شهور يعتبر عاطلاً عن العمل وعليه المغادرة فوراً، وإن لم يفعل تفرض عليه عقوبة شديدة وغرامات يتحملها الوافد نفسه إذا تجاوز المدة!

يتذكر السيد العبدالمغني: اشتغل عندنا مواطن لبناني سائقا عام 1961 وكان يحمل إجازة قيادة عامة، وراتبه ٢٥ ديناراً، وبكل تأكيد تم توفير سكن له والمأكل في البيت، أما بالنسبة إلى الراتب فهو يعتبر جيداً قياساً بالأجور السائدة في ذلك الوقت!!

بعد عام أخبر الوالد أنه يحتاج لزيادة راتبه لأن لديه أسرة كبيرة في لبنان، وبكل أريحية بحث له الوالد عن عمل آخر لدى جهه حكومية تدفع له أكثر من راتب سائق لدى الأسرة، فوجد له الوالد وظيفة سائق لدى سيارات الإطفاء وعندما نجح في الاختبار أصبح راتبه 60 ديناراً قابلة للزيادة!

يقول الدكتور عادل عندما حضر إلى بيتنا بعد عامين بزي رجل الإطفاء بعد ذهابه لزيارة أهله في لبنان وبيده علبة خشب بيضاوية بداخلها حلويات عربية، وكان سعيداً للغاية، بعد أن تحسن وضعه الوظيفي والعلاوات والبدلات التي حصل عليها!

هذه الطريقة القديمة التي كانت في الكويت متبعة حالياً في بريطانيا! ومتى ما تم ضبط ووقف تجار الإقامات نهائياً سينتهي موضوع الكفيل وتسير الأمور بدقة ونظام سليم!

حمزة عليان