مملة نمطية مكررة لا تقدم جديداً لحال الدولة، هذا ما يبدو من واقع الخطابات الجماهيرية لمعظم المرشحين للانتخابات، في كثير من الأحيان تظهر نمطية التكرار وثقلها من صفات الدولة، سواء تمثلت في كتابات الجرائد وأخبارها، أو في الخطاب الرسمي بكل شكلياته السمجة من «وصل إلى أرض البلاد... وكان في استقباله. وقام بزيارة تفقدية... لـ ... ولـ... واطمأن على سير الأمور فيه...»، حتى نصل إلى خطاب المرشحين المحصور بالأغلب في عبارات من شاكلة... ضرب الفساد والمفسدين... توفير راحة المواطن وإنهاء معاناته.. حبنا للدستور وأهل الكويت... ثم هناك «تتبيلة» اللقاء بدعوة نائب جماهيري سابق، يظهر بصورة البطل الداعم للمرشح... غير هذا لا يوجد جديد.

زميلنا محمد البغلي في تحليله للمشهد الانتخابي (جريدة الجريدة عدد الخميس الماضي)، قال عن السلطة التشريعية: «... مهما كانت نتيجة الانتخابات البرلمانية (فهي) لا تتمكن من تشكيل السلطة التنفيذية ولا حتى تمتلك هذه السلطة حق منح الثقة لأي حكومة جديدة من عدمها... ولا حتى حق المصادقة على البرامج الحكومية...»، والنتيجة لهذا الوضع هي أن تصبح وعود البرامج الانتخابية تعهدات في غير محلها، ويضحي خطاب المرشحين محصوراً في جزئيات «شعبوية» هامشية تنظر للحال الحاضر وتغيب عنها رؤية الغد، وتتسابق الحكومة مع المجلس على مضمار الشعبوية لكسب «حب الشعب» وإرضائه مهما كان الثمن في دولة الكوادر المالية والوظيفة العامة المتضخمة.

Ad

الخلط بين دولة الرعاية والدولة الريعية بتعبير محمد البغلي في مكانه، لكن هل ستكون الحلول للخروج من مأزق الدولة الحالي هي العمل الجماعي والسماح للأحزاب التي يمكن أن تقدم برامج عمل مشتركة وعبرها يتم تشكيل الحكومة وإنهاء حالة النزف الاقتصادي و«الإرهاق للميزانية» وبداية إصلاح تعليمي ووضع أسس تنمية مستدامة... إلخ!

واقع السلطة ورغم حالة التوافق الحالية بينها وبين المعارضين يخبرنا أن هناك حدوداً لها لا تستطيع، وبالأصح لا تريد، أن تتجاوزها، ومهما ظننا أننا نحيا بأيام ربيع سياسي، فهو في النهاية فصل مؤقت وسينتهي بخاتمة «سيفوه وخلاجينه». لم تكن الكويت يوماً ديموقراطية صحيحة، كانت في أحسن أحوالها حتى منتصف الستينيات «شبه ديموقراطية» وحالة استثنائية في محيطها، هذا «الشبه» وضع البلد في إشكالية الغراب الذي ذهب يتعلم مشي اليمامة... فنحن بين الأوتوقراطية والديموقراطية المهدد نسفها بأي لحظة.

وإذا فرضنا (وهو افتراض صعب تخيله) أن السلطة ذهبت لأبعد الحدود نحو الممارسة الديموقراطية كتشكيل حكومة من حزب الأغلبية وغيرها، فستبقى رغم كل ذلك المعضلة باقية مع بقاء هذا الوعي المزيف، ستكون هناك كالعادة ديموقراطية لكن من دون ديموقراطيين، فهي مسألة وعي عام مستنير يتجاوز العائلة والعشيرة والقيم المتحجرة، ويتخطى هذه الثقافة القروسطية، لنصل إلى دولة الحداثة والحريات والتنمية المستدامة... وهذا لن يأتي بتغيير من الأسفل كما نحلم بأدبيات خاوية، وإنما سيكون بإرادة حاسمة من الأعلى، تضع القاطرة في مكانها، فهل هذا ممكن...؟ نعم ممكن كحلم بعيد المنال...

حسن العيسى