يزعم داعمو الاتفاق الإيراني الجديد أن أي صفقة من هذا النوع تستطيع «احتواء» البرنامج النووي الإيراني، مما يسمح للأميركيين وحلفائهم بالتركيز أخيراً على التصدي للعدائية الصينية المتزايدة في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، لكنّ أي اتفاق أقصر أو أضعف من المتوقع قد يقوي سطوة إيران ويعطي أثراً معاكساً، ما يؤدي إلى نشر الفوضى في الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ في آن، تزامناً مع تعميق النفوذ الصيني في منطقة الخليج.

قد تتغير حسابات الصين المرتبطة بإيران حين يصبح أي اتفاق نووي جديد ساري المفعول، فعندما تتلاشى تهديدات العقوبات، ستُكثّف الصين على الأرجح استثماراتها وتبادلاتها التجارية مع إيران، فيزيد نفوذها في ذلك البلد وفي المنطقة ككل، كذلك سيتّضح تأثير الصين المتزايد في مجموعة من الصناعات المهمة استراتيجياً، ويحمل بعضها تداعيات مؤثرة في مجال الأمن القومي، وعلى صعيد آخر، قد توسّع الصين نطاق نفوذها في قطاعات الفولاذ والذهب والألمنيوم، علماً أنها كانت قد استثمرت في مشاريع أخرى لمعالجة المواد، مما سمح لإيران بإنتاج المدخلات التي تحتاج إليها لبرنامجها الصاروخي.

Ad

لكن من المتوقع أن يتلاشى تأثير الصين على إيران حين تتراجع العقوبات وتُنوّع طهران علاقاتها الخارجية، وفي الوقت نفسه، قد يزيد اتكال الصين على إيران عندما تصبح بكين أكثر اتكالاً على موردي الطاقة الإيرانيين مع مرور الوقت لتلبية حاجاتها المحلية المتواصلة، وقد تضعف قدرة بكين على كبح التحركات الإيرانية الخبيثة أو تحديد وجهتها بسبب هذا النوع من ديناميات السلطة العكسية.

في غضون ذلك، تبدو خطط إيران المرتقبة واضحة المعالم، ففي وقتٍ سابق من هذه السنة، اضطر الجيش الأميركي للرد على الاعتداءات التي استهدفت القوات الأميركية والإماراتية في أبو ظبي وكانت من تنظيم ثوار تابعين لإيران في اليمن. وفي شهر يوينو، تعقبت قوارب سريعة الهجوم يُشغّلها الحرس الثوري الإيراني السفن الأميركية في الخليج العربي، فكاد يقع اصطدام كبير بحراً، وفي الشهر الماضي، هاجمت جماعات مسلّحة مدعومة من إيران قاعدة للجيش الأميركي في جنوب شرق سورية، وانتشرت تقارير مفادها أن الحرس الثوري الإيراني حاول اغتيال مسؤولين حكوميين أميركيين سابقين، وفي الأسبوع الماضي، حاولت سفينة تابعة للحرس الثوري الإيراني أن تستولي على طائرة مائية أميركية مسيّرة تنشط في المياه الدولية.

سيكون أي رد على الاستفزازات الإيرانية الراهنة والمستقبلية كفيلاً بإضعاف الجهود الرامية إلى تحويل جزء من الموارد الإقليمية إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي تعتبرها الصين أكثر أهمية بكثير لفرض هيمنتها، وأكد المحللون الصينيون على هذا الواقع، فذكروا أن الفوضى في الشرق الأوسط تُضعِف «قدرة واشنطن على التنبه إلى الصين أو الضغط عليها»، ومن دون قدرات أميركية مستدامة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، قد تكتسب الصين ثقة كافية بنفسها لإطلاق مناورات عسكرية أكثر خطورة من تلك التي نفذتها حديثاً في مياه تايوان الإقليمية ومحيطها.

بعبارة أخرى، قد يؤدي أي اتفاق ضعيف مع إيران إلى ترسيخ الفوضى في ساحتَين متنازع عليهما (الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ)، في حين تشكّل حرب أوكرانيا المحتدمة ساحة ثالثة للصراع.

نتيجةً لذلك، يجب أن يُقارَن أي اتفاق إيراني جديد مع أهداف أمنية أميركية مُلحّة أخرى، على رأسها الصين، لكن استناداً إلى مسار المفاوضات في الوقت الراهن، من الواضح أن النظام في طهران لن يكون المستفيد الوحيد من الوضع، فقد تصبح بكين أيضاً من أكبر المستفيدين من الاتفاق النووي الجديد.

* كريغ سينغلتون

Foreign Policy