كيف حصن القرآن الكريم؟

Ad

ذكرت في المقال السابق 5 عوامل لتحصين القرآن هي: الحفظ الإلهي، قوة الحفظ والذاكرة، ربط تلاوة القرآن بمضاعفة الحسنات، جعلها جزءاً من الصلوات، العناية النبوية بكتابة القرآن. هنا نستكمل بقية العوامل:

سادساً: عناية الصحابة بالقرآن:

كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يكتفي بأن يحفظ الصحابة القرآن بل تلاوته أمامه ليسمع منهم ويراجع دقة حفظهم بين كل فترة وأخرى، حتى لا يتفلت منهم أي شيء، لذلك فقد كان عدد كبير من كبار الصحابة حفظة للقرآن، منهم: عثمان، زيد، أبوموسى، ابن مسعود، علي، معاذ، أبوهريرة، ابن عباس، ابن عمر، أبي.

سابعاً: الجمع الأول:

جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، الجمع الأول، بسبب حروب الردة واستشهاد كثير من حفظة القرآن، وكان ذلك اقتراحاً من عمر رضي الله عنه في «مصحف واحد» لكن أبا بكر تردد في البداية، كون الرسول لم يفعله، ثم اقتنع به فأمر زيداً بالجمع متتبعاً ما في الصدور وما كتب، وتم جمع كل ذلك في «مصحف واحد» وحفظ عند أبي بكر ثم عمر ثم حفصة، وكان هذا الجمع أول جمع بين اللوحين.

ثامناً: المصحف الإمام:

اتسعت رقعة الدولة بحركة الفتوحات في عهد عثمان، وتجاوز الإسلام تخوم الشام والعراق إلى أذربيجان وأرمينيا وزاد عدد المسلمين في الأمصار، وتنوعت ثقافاتهم وجنسياتهم ولغاتهم ولهجاتهم، إضافة إلى حفظ كل منهم من مصاحف فردية انتشرت في خلال ذلك في الآفاق، كان قد كتبها بعض الصحابة لأنفسهم كمصحف ابن مسعود، ومصحف أبي، ومصحف عائشة وغيرها، فكان من الطبيعي أن تختلف قراءاتهم للقرآن بسبب اختلاف لغاتهم واختلاف مصادر تلقيهم للقرآن فيحصل بعض (اللحن) في قراءة القرآن، خاصة لدى غير العرب، وهذا وضع يحدث فرقة وانقساماً وتنازعاً واضطراباً لا يمكن السكوت عليه، فكان على السلطة أن تتدخل وتحسم الأمر، وتجمع المسلمين على كتاب واحد مجمع عليه بدلا من الكتب الفردية التي بها بعض الاختلافات، فاستشار الخليفة عثمان الصحابة في كتابة ونسخ القرآن في «مصحف واحد» وجمع المسلمين عليه، وتقرر تشكيل لجنة من زيد، وابن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوا القرآن من المصحف المحفوظ عند حفصة، عدة نسخ، تم إرسالها إلى الأمصار المختلفة مع إرسال قارئ مع كل نسخة، وأمر بتمزيق أو حرق ما عداها من المصاحف الفردية الشخصية، وهي في الحقيقة ليست قرآناً مكتملا وإنما مجموعة من الصحف كتب عليها نتف من القرآن، كتبها بعض الصحابة لأنفسهم. وهذا العمل الذي ألهم به المولى لعثمان وكبار الصحابة حوله في هذا الوقت التأسيسي المبكر لدولة الإسلام، أي بعد 14عاماً من اكتمال نزول القرآن، وبحضور الصحابة الحفظة والشهود لما أنزل على نبيهم، من أكبر وأوثق العمليات التدوينية في تاريخ المسلمين كله، بل لا نكون مبالغين أنه أوثق عملية توثيقية لكتاب سماوي على مر التاريخ البشري كله، وقد أسلفنا ذلك في مقالنا السابق.

تاسعاً: عناية المسلمين بالقرآن الكريم:

لقد تسابق المسلمون على مر التاريخ الإسلامي، ومنذ نزول القرآن وإلى اليوم، وفِي كل أرجاء المعمورة التي وصلتها أنوار الكتاب العزيز، وبكل طرق وأساليب العناية بكتابهم المحكم: حفظاً وتلاوة وتعليماً وتفسيراً ونسخاً وتزيينا مذهباً، وألفوا آلاف المجلدات فيه، وفِي تاريخ نزوله وتدوينه، وبوجوه القراءات فيه، وبيان المتواتر والشاذ منه، ومنهم من قضى عمره في استنساخه، أو تفسيره، أو تجويده، أو تحفيظِه، أو إقرائه، جيلاً بعد جيل، طبقة بعد طبقة، من الصحابة إلى التابعين الذين يصعب حصرهم، فتابعي التابعين الذين يستحيل عدهم، فمن بعدهم إلى عصرنا، فكانت أعداد الحفظة المقرئين والمعلمين في تزايد حتى ذكر ابن الجزري شيخ شيوخ القراء في القرن التاسع الهجري، وصاحب الكتاب المشهور «النشر في القراءات العشر» أن عدد المعلمين وصل في زمنه إلى (4) آلاف معلم غير أعداد التلاميذ، فما بالك اليوم الذي يوصل عددهم إلى الملايين غير توافر تقنيات الحفظ الرقمية الهائلة! وللحديث بقية.

* كاتب قطري

د. عبدالحميد الأنصاري