منذ عام 2012 وإلى ما قبل حل مجلس الأمة ونحن نقرأ ونسمع تصريحات نواب يطالبون بإلغاء بعض الهيئات العامة التي تكاثرت حتى وصل عددها إلى أضعاف عدد الحكومة نفسها، على الرغم من أنها كلها تؤدي أغراض الوزارة نفسها التي تتبع لها، دون أن نعرف دواعي إنشاء هيئات عامة بهذه الكثرة العددية، وإذا كان الغرض من بعضها فك التشابكات بين عدد من المؤسسات الحكومية، فهي في الواقع تزيد تعقيدات هذا التشابك الإداري والمالي والفني وتزيد الأعباء المالية على الدولة، كالهيئة العامة للطرق والنقل العام، على سبيل المثال لا الحصر، والتي أنشئت لفك التشابكات بين وزارة الداخلية ووزارة الأشغال وبلدية الكويت، وطوال عقد من الزمن لم تحقق هيئة الطرق هذا الهدف إلى يومنا هذا، وعلى الرغم من اتفاقنا مع بعض النواب المخلصين في مطالباتهم بتخفيض العدد، فإن الواقع أكد لنا أن هناك نوابا ساهموا بتأسيس هيئات عامة جديدة لتحقيق مصالح خاصة ولتنفيع المعارف والناخبين، الأمر الذي ذكرنا بمقولة «كلمة حق يراد بها باطل».

قبل أكثر من أسبوع نشرت صحيفة «الجريدة» التقرير الاقتصادي الأسبوعي لشركة الشال أكدت فيه الشركة أن هناك 50 هيئة عامة ومؤسسة ومجلساً ولجنة دائمة أنشئت ليس لتحقيق هدف اقتصادي بحت، ولكن لغرض طلب الولاء، ومن واقع غياب الإنجاز في بعض هذه المؤسسات شبه الحكومية، لتبعيتها للحكومة، وانحدار الإنجاز في بعضها الآخر، يتضح أن أغلبها، إن لم يكن كلها، لم نكن نحتاج إليها من الأساس، وإلا فما دواعي وجودها إذا كان إنجازها غائباً أو معطلاً منذ تأسيسها؟ وما يؤكد استمرار هذا الوضع أن من يعمل في المناصب القيادية في أي من هذه المؤسسات هو من الموالين للحكومة، وبمعنى آخر، أن هذه المؤسسات الحكومية، وإن كانت هيئات عامة، إلا إنها فُصلت وأُنشئت المناصب القيادية فيها خصوصاً «لمن يطلب ودهم وولاؤهم»، حسب تعبير التقرير.

Ad

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد: لماذا تطلب الحكومة ود وولاء بعض المواطنين من الأساس؟ وإذا كانت الحكومة تطبق القوانين بحذافيرها بالفعل على جميع المواطنين دون تفرقة طبقية أو فئوية أو قبلية أو طائفية، وإذا كانت لا تعير المحسوبية ولا الواسطة ولا المتنفذين أي التفاتة، فما أهمية كسب الود والولاء من أي شخص كان، حتى لو كان فرداً من أفراد الأسرة الكريمة الحاكمة التي يكنّ لها الشعب الكويتي بكل ألوان طيفه كل التقدير والاحترام؟ ولو كنت في مكان الحكومة لقلت لنفسي ولمستشاري الحكومة («طز» في «فزاعة» هذا الود المزيف، و«طزين» في «خيال مآتة» الولاء المزعوم، طالما كان بيد الحكومة كل أركان السلطة إدارياً ومالياً وأمنياً، وطالما كانت قادرة على إحكام قبضتها على جميع مفاصل الدولة وعلى كل مناحي الحياة في كل الظروف).

و«على طاري المستشارين»، الذين أشاروا على الحكومة أن تشتري ولاء الناس بالمال وبالمناصب، دون أن تطالبهم الدولة بالإنجاز، أو بالإخلاص للوطن، على أقل تقدير، يبدو أنه مع كثرة المستشارين في دواوين الوزارات ومؤسسات الدولة، صار ضرورياً أن تنشئ الدولة هيئة عامة جديدة، ولكن للمستشارين، حتى لو كانوا غير منجزين، طالما كانت غالبية الهيئات العامة دون إنجاز.

يوسف عبدالكريم الزنكوي