حاملة قائمة طويلة من المشاكل التي يتعيّن معالجتها سريعاً، أصبحت ليز تراس رسميًا الرئيسة الجديدة للحكومة البريطانية، أمس، خلال اجتماع مع الملكة إليزابيث الثانية في مقرّ إقامتها في بالمورال باسكتلندا في تقليد يتم في العادة بقصر باكينغهام في لندن.

وظهرت وزيرة الخارجية السابقة البالغة 47 عاما في صورة رسمية وهي تصافح الملكة التي طلبت منها تشكيل حكومة جديدة لتصبح رئيسة الوزراء الخامسة عشرة خلال عهدها الممتد منذ أكثر من 70 عاما، وثالث امرأة تقود رئاسة الوزراء في تاريخ بريطانيا ورابع رئيس وزراء من حزب المحافظين في غضون 6 سنوات.

Ad

وجرت المراسم الرمزية في قصر بالمورال النائي بالمرتفعات الاسكتلندية، إذ اختارت الملكة (96 عاما) عدم العودة إلى لندن لمشاكل صحية.

وبيّن القصر أنه قبل تكليف تراس تشكيل الحكومة، استقبلت الملكة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون وقبلت استقالته من منصبه ومعه أعضاء حكومته.

وفي خطابه الوداعي في وقت سابق خارج مقر إقامته الرسمي في «10 داونينغ ستريت» والذي كان مليئا بالعبارات الرنانة والدعابات، حضّ جونسون (58 عاما)، الذي أجبره حزب المحافظين على ترك منصبه في أعقاب سلسلة من الفضائح، البلاد على التكاتف ودعم خليفته «والحكومة الجديدة بثبات».

واستغل جونسون، الذي كافح للبقاء في منصبه حتى النهاية، خطاب رحيله للتفاخر بنجاحاته، بما في ذلك «بريكست» وإطلاق برنامج للتطعيم المبكر خلال جائحة «كورونا» ودعمه لأوكرانيا منذ بداية معركتها ضد روسيا.

كما أكد أن حكومته نجحت في تخطّي الأزمة التي تسبب بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إشارة إلى الطاقة، لافتاً إلى أن حزبه لن يسمح لأحد بالتنمّر على البريطانيين وابتزازهم.

وحضّ حزبه المحافظ الحاكم على تنحية الخلافات داخل صفوفه للتعامل مع أزمة الطاقة التي يبدو أنها ستطغى على عهد تراس.

وأضاف: «إذا كان بإمكان ديلين (كلبه) ولاري (هرّ داونينغ ستريت) تجاوز الصعوبات التي تطغى على العلاقة بينهما بين حين وآخر، فبإمكان الحزب المحافظ أيضا القيام بذلك».

ورفض جونسون استبعاد احتمالية العودة لشغل المنصب في المستقبل، لكنه أشار أيضا إلى أنه لا يزال يعاني من صدمة بسبب كيفية رحيله. وقال: «سيتم تسليم الشعلة في النهاية لزعيم جديد للمحافظين».

وودّع جونسون أنصاره الذين هتفوا وصفّقوا له، مشبّهاً نفسه بـ»صاروخ داعم أتم مهمّته وسيسقط في نقطة نائية وبعيدة عن الأنظار في المحيط الهادئ».

وترك جونسون منصبه، منهيا فترة دامت 3 سنوات من الاضطرابات وتاركاً لخليفته قائمة طويلة من المشاكل التي يتعين معالجتها سريعا. إذ ستجد تراس أمامها العديد من الملفات والقضايا المهمة، وسيتعين عليها سد ثغرات كبيرة باقتصاد راكد، وتنفيذ الوعد بعدم فرض ضرائب جديدة، كما سيتعين عليها القيام بذلك أثناء قيادتها لحزب محافظ منقسم بشدة وبعيد عن ضمان دعم رؤيتها للبلاد.

ويمكن القول إن الخطر الأكبر الذي يواجه تراس يأتي من نواب حزب المحافظين، الذين أصبحوا الآن «ضليعين في إزاحة الزعيم».

ويقول البعض، في الأحاديث السرية، إنها قد تُجبر على ترك منصبها قبل الانتخابات المقبلة، ما يعني أن حزب المحافظين سيكون لديه 5 قادة منذ توليه الحكم في 2010.

وتتولى تراس منصبها الجديد وسط وضع عالمي معقد، فأوكرانيا لا تزال تواجه الغزو الروسي، والصين لا تزال تهدد تايوان، ثم هناك فوضى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي لا تزال تسبب مشاكل كبيرة في كل من بريطانيا وخارجها.

وفي ردود الفعل، عبر زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربين عن خشيته من أن تواصل تراس، تبني النهج الأميركي ومواصلة إنفاق الأموال على السلاح في أوكراني. وفي وقت أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن تراس «كانت دائما في الجانب المستنير من السياسة الأوروبية، وأن كييف تتطلع إلى مزيد من التعاون معها»، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن تراس «أدلت بتصريحات معادية تماما لروسيا، ومع ذلك نأمل ألا تزداد العلاقة مع لندن سوءا».

ويتوقع خبراء أن يستمرّ توتر العلاقات بين باريس ولندن مع تولي تراس رئاسة الحكومة، بسبب قرب البلدين الجغرافي وتشابك مصالحهما.

ولم تخف تراس هذه التوترات من خلال ردها في اغسطس أمام الناشطين من حزبها على سؤال لمعرفة ما إذا كانت تعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون الداعم بشدة للمشروع الأوروبي، «كصديق أو عدو» حين قالت إنها ستحكم عليه «وفقا لأفعاله».

وبعد فوز تراس الاثنين برئاسة حزب المحافظين، أبدى ماكرون استعداده «للتمكن من العمل بين حلفاء وأصدقاء»، مشددا خصوصا على «التعاون في مجال الطاقة» بين البلدين. وهناك العديد من الخلافات بين فرنسا وبريطانيا لا سيما إدارة ملفات ما بعد «بريكست» مثل صيد الأسماك أو إيرلندا الشمالية.