رغم أن إعلان ديوان رئيس مجلس الوزراء إطلاق الوحدة الاقتصادية الاستشارية يندرج ضمن التوجهات «الإيجابية» للحكومة الجديدة نحو إصلاح مختلف أوجه الشأن العام، لا سيما الشأن الاقتصادي بعد سنوات طويلة من الإخفاقات التي كبلت الكويت عن التطورات التي شهدها العالم ودول الخليج القريبة، فإن هذه الوحدة «ما دامت استشارية» يجب أن يكون لتقاريرها وتوصياتها قيمة وأثر على السياسة العامة، لا كما كان يحدث دائماً منذ تحرير الكويت عام 1991 بأن يكون الرأي الاستشاري الفني بعيداً عن القرار الإداري أو السياسي في البلاد، وربما ينعكس حتى على تشريعات ذات آثار متراكمة على المدى الطويل.

وحسب البيان الحكومي الرسمي، ستكون الوحدة الاقتصادية الاستشارية، برئاسة سمو رئيس مجلس الوزراء، وعضوية الجهات الحكومية ذات الطابع الاقتصادي والاستثماري والتنموي، بالإضافة إلى الخبرات الوطنية ذات الاختصاص بالشأن الاقتصادي، بناء على توجيهات رئيس الحكومة حول أهمية تبني نهج متطور لدعم الاقتصاد الوطني والعمل على جذب الاستثمارات المباشرة ذات القيمة المضافة وتعزيز دور القطاع الخاص بما يتماشى مع رؤية الكويت 2035... وبالطبع فإن هذه التطلعات رغم ضرورتها ومشروعيتها تبقى مكررة في سياق تشكيل أي لجان استشارية أو فرق اقتصادية وهي بالعشرات منذ التحرير.

Ad

لجان منذ التحرير

فمن لجنة تنشيط الاقتصاد الوطني عام 1992، إلى اللجنة العليا للإصلاح والتنمية عام 1995، إلى لجنة إصلاح المسار الاقتصادي عام 2000، مروراً باللجنة الاستشارية الاقتصادية العليا عام 2011، وصولاً إلى مرحلة الوثائق التنفيذية كوثيقة الإصلاح الاقتصادي والمالي 2016، إلى وثيقة استدامة 2018، إلى جانب التقارير الدولية كالبنك الدولي أو الشركات الاستشارية ومؤسسات التصنيف الائتماني، وغير ذلك عشرات من المشاريع الكبرى، كمشروع التحول إلى مركز تجاري ومالي، ووثيقة «توني بلير»، ثم خطط التنمية الثلاث، ومشروع «رؤية كويت جديدة 2035»، وبرامج العمل الحكومية، وغيرها فضلاً عن وجود هيئة عليا هي المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية يعنى بالدراسات التي تتطلبها الحالة الاقتصادية والمالية والتنموية للبلاد... وكانت التطلعات والأهداف في كل ما سبق لا تختلف كثيراً عن مبررات تشكيل الوحدة الاقتصادية الاستشارية الجديدة.

تحدي التنفيذ

ولعله من المهم القول، إن التقارير الصادرة عن اللجان السابقة في معظمها تلامس مشاكل الكويت الاقتصادية واختلالاتها الهيكلية لجهة مخاطر الاعتماد على النفط في تمويل الميزانية، واختلالات سوق العمل، والتركيبة السكانية، ومحدودية الاستثمار الأجنبي والفرص التجارية، فضلاً عن تحديات توفير الخدمات العامة، كالسكن والطاقة والتعليم والصحة، لكنها لم تتطرق لما هو أبعد من الجانب الفني، الذي تحتاجه حكومة جديدة يرأسها سادس رئيس وزراء منذ التحرير أطاح نصف أسلافه، تحديداً آخر 10 سنوات، حراك شعبي ناقم على تفشي الفساد وسوء الإدارة.

بالطبع، ما يحتاج أن يسمعه رئيس الوزراء من الوحدة الاقتصادية الاستشارية، خصوصاً في السياق الاقتصادي والمالي، وعلى صعيد التجارة والأعمال شبه معروف ومنشور وموجود في العديد من التقارير السابقة المذكورة أعلاه كما الأرقام والإحصائيات والتنبؤات والنسب وغيرها، لكن ما هو غير معروف هو لماذا لم تستطع حكومات سابقة تنفيذ التوصيات الاستشارية رغم تعددها؟.

قواعد النجاح

في الحقيقة، ثمة محددات إذا اتبعها أي رئيس وزراء للكويت؛ فإن احتمالات النجاح في مهمته ستكون عالية، وأول هذه المحددات سيكون في تغيير آلية تشكيل الحكومة، من آلية المحاصصة والولاءات المعتادة إلى معايير الكفاءة وتحمّل المسؤولية، إلى جانب تطوير آلية العمل في مجلس الوزراء من الصيغ التقليدية مثل «التكليف - التنسيق - تشكيل اللجان» إلى صيغ اتخاذ قرارات تنفيذية ووضع مدد زمنية لا تهاون فيها للإنجاز، ناهيك عن معالجة ملاحظات ومخالفات ديوان المحاسبة تجاه قضايا غالباً ما تكون مرصودة من الديوان عدة سنوات ولا تحظى بالاهتمام الحكومي ولا النيابي مع الأخذ بعين الاعتبار عدم استخدام مالية الدولة - وملياراتها - لشراء الولاءات السياسية، التي لم تنفع من استخدمها وباتت تشكل عبئاً متراكماً على ميزانية الدولة وأصولها.

الكويت أكبر

فالكويت أكبر من أن تتدهور أوضاعها ليكون مثلاً تأخر الصيانة في المدارس معوقاً لبدء التعليم العام فيها، أو أن يكون الحصى في شوارعها شاهداً على فساد مناقصاتها، أو أن يتحول السكن الخاص لساحة مضاربة استثمارية وتجارية نتيجة لانحراف المعالجات الإسكانية في البلاد، أو أن تكشف أزمات متعلقة بـ «فحص العمالة» أو «قرار الستين» انعكاساً لارتباك المؤسسات أمام اختلالات التركيبة السكانية أو أن تكون مؤسساتها الأمنية «الشرطة - الجيش» مرتعاً للمختلسين وغاسلي الأموال، أو أن يكون برنامج العمل الحكومي ملتبساً للهروب من المسؤولية أو أن تقدم ميزانية الدولة السنوية دليلاً على انفلات مصروفاتها ومحدودية مواردها... فلا يليق أن يتضاعف إنفاق الكويت منذ عام 2001 بأكثر من 800 في المئة بينما تتدهور أوجه الخدمات العامة والنشاط الاقتصادي فيها لمستويات لا تصل إليها الدول المجهرية، وهذه كلها تحديات تقلل من جودة الإدارة وقدرتها على إيجاد الحلول، مما يضاعف من مسؤولية مجلس الوزراء تجاه قضايا إخفاق وفساد متراكمة تتطلب عقلية مختلفة من الاستشارات والحلول.

إن الاستشارات، التي تحتاجها الحكومة في الفترة المقبلة، لا بد أن تصب في اتجاه إطلاق مشروع دولة اقتصادي - تنموي يتجاوز إخفاقات السنوات الماضية، يرفع من قيمة المؤسسات، ويعالج اختلالات الاقتصاد، ويتخذ قرارات مهمة مستحقة، لا هي شعبوية ولا تحمل المجتمع مسؤولية الإخفاق الحكومي، على أن يواكبها برنامج متابعة حقيقي يحاسب المقصر ويكافئ المتميز.

محمد البغلي