تتصاعد المواقف التركية الرسمية التي تدعو إلى التواصل مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد مع مرور الأيام، إنها خطوات مدروسة لكسب أصوات الناخبين قبيل الانتخابات وإضعاف الطموحات الكردية نحو الحُكم الذاتي، وهي مدعومة من روسيا التي تسعى إلى إحداث شرخ بين تركيا وخصومها الغربيين.

تتعدد العوامل التي تجعل المصالحة مع الأسد خياراً محبذاً، أبرزها صمود الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وبينما ينتظر أن تحصل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 18 يونيو من السنة المقبلة، يتجه الاقتصاد التركي إلى الانهيار، وبدأت المشاعر المعادية للمهاجرين تتوسع، وتزداد الاعتداءات العشوائية بحق السوريين شيوعاً مع مرور الوقت. كذلك، تقول المعارضة إنها «سترسل السوريين إلى ديارهم» فور وصولها إلى السلطة. لهذه الأسباب، أصبح تطبيع العلاقات مع الأسد ضرورياً، هذه الوعود كلها تروق للناخبين الأتراك.

Ad

من المتوقع أن يسرق إردوغان شعارات المعارضة عبر استعمال الورقة نفسها، لذا أصبح الاعتراف بالتواصل مع النظام السوري مجرّد رهان سياسي، أو هذا ما تظنه المعارضة على الأقل.

في شهر يوليو الماضي، أكد إردوغان للمرة الأولى ضرورة أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من شمال شرق سورية، وحتى تلك المرحلة، كان موقف أنقرة الرسمي يدعو واشنطن إلى التخلي عن «قوات سورية الديموقراطية» بقيادة الأكراد والتعاون مع تركيا وفصائل «الجيش السوري الحر» ضد تنظيم «داعش». جاءت تعليقات إردوغان بعد اجتماع في طهران مع بوتين، والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

تأمل أنقرة إبرام اتفاق مشابه لاتفاقية أضنة الأمنية عام 1998، بشرط أن تُؤخذ الوقائع السورية المستجدة في الاعتبار، لكن الأسد يُصِرّ على استحالة إحراز أي تقدّم بارز قبل أن تسحب تركيا قواتها العسكرية من سورية، أو ربما يفكر الرئيس السوري في أنه ليس مضطراً لإسداء أي خدمة لعدوه اللدود إردوغان قبل الانتخابات، بما أن استطلاعات الرأي تشير إلى تفوّق مرشّحي المعارضة التركية.

لكن إليزابيث تسوركوف، طالبة الدكتوراه في جامعة «برينستون» والتي كتبت تحليلات كثيرة عن سورية وأمضت فيها فترات طويلة منذ عام 2011، تظن أن المصالحة مع الأسد تبقى مستحيلة بغض النظر عن دوافع أنقرة.

تضيف تسوركوف: «لن يُعقَد أي اتفاق مماثل بسبب الموقف الصارم الذي يتمسك به النظام السوري، إذ يرفض هذا الأخير منح تركيا أي ضمانات أمنية ولا يزال ضعيفاً جداً من الناحية العسكرية. قد يرغب النظام في احتواء حزب العمال الكردستاني، لكنه يفتقر في الوقت الراهن إلى القدرات العسكرية للقيام بذلك، وستكون أي ضمانات يقدّمها النظام لسكان الشمال الغربي والشمال الشرقي بلا قيمة. على صعيد آخر، سيطارد النظام السوري كل من يعتبره عدواً له في المناطق الخارجة عن سيطرته، لهذا السبب، سيحاول السوريون المقيمون في هذه الأراضي الهرب، فيطلقون موجة ضخمة من النزوح الجماعي الذي يُقابَل بالذخائر الحية على الحدود أو يؤدي إلى تدفق عدد كبير من اللاجئين نحو تركيا، وهذا الوضع يحمل مخاطر هائلة وقد ينهي مسيرة الرئيس التركي».

لكن لا يمكن أن يستمر الوضع الراهن أيضاً، إذ يكلّف احتلال تركيا لشمال سورية حوالى مليارَي دولار سنوياً، وفق صحيفة «فاينانشال تايمز». وتقول الحكومة التركية إنها تنفق 40 مليار دولار في الحد الأدنى على أكثر من 3.7 ملايين سوري داخل تركيا، لكن المعارضة التركية تزعم أن المبالغ الحقيقية التي ينفقها البلد على السوريين تساوي خمسة أضعاف ذلك الرقم. في غضون ذلك، بدأت التداعيات الاجتماعية للوجود السوري تتصاعد مع مرور الأيام، لكن تبقى مخاوف تركيا من ظهور دويلة كردية أخرى مدعومة من الغرب على حدودها أكبر من جميع المخاوف الأخرى، وفي مطلق الأحوال، ستتابع تركيا بذل قصارى جهدها لمنع هذه النتيجة، سواء قررت عقد اتفاق معيّن مع الأسد أو فضّلت التحرك وحدها.

*أمبرين زمان وسلطان الكنج

Al Monitor