تشهد البلاد معطيات جديدة غير مسبوقة، حيث يبدو أن القيادة السياسية قررت إعلان القطيعة مع الممارسات السابقة في التعامل مع الانتخابات، ومن غير المفيد استخدام مصطلح «العهد الجديد»، الذي تم استخدامه مرتين سابقاً، دون أن يُحدث ذلك تغييراً يُذكر، أما الآن فإن تم تنفيذ التعهدات، ويبدو أنها تسير في هذا الاتجاه، فنحن موعودون بصورة مختلفة للمشهد السياسي، أما إلى أين ستقود، فذلك أمره أمر.

القرارات غير المسبوقة ليست إصلاحات سياسية شاملة، لكنّها تركز على الإصلاح الانتخابي فقط، وبالضرورة ستكون لها انعكاسات مباشرة على العملية السياسية بصورة أو بأخرى.

Ad

خلال ما يزيد على خمسة عقود، نعيش في حالة انسداد سياسي، وليس كما يردد البعض، بأن حالة الأزمة ظهرت منذ صدر مرسوم الصوت الواحد، الذي جاء نتيجة وليس سبباً للأزمة المستمرة، والتي من أبرز أسبابها اختلال موازين القوى، فتستطيع السلطة متى شاءت ومن دون أسباب، حل مجلس الأمة، خارج نطاق الدستور، وتعدّل الدوائر الانتخابية متى شاءت.

وفي أغلب الحالات، يقاطع المقاطعون، ثم يعودون إلى الانتخابات، ويجري ذلك منذ 1971 لا منذ 2012، ويعود ذلك أيضاً إلى اختلال موازين القوى لمصلحة السلطة، وربط العمل السياسي بالانتخابات فقط.

ومن الواضح أنه بعد القرارات الأخيرة، بالخروج من زمن الانسداد السياسي، وقطع العلاقة مع الماضي، فإنّه من المتوقع أن نمرّ بفترة انتقالية تكون ملامحها حالة ارتباك سياسي، وهي أمر متوقع، مادامت التوجهات من حيث الشكل إيجابية.

وحيث إن نقاط القطيعة مع الماضي ارتكزت على جوانب مستقبلية قابلة للقياس، مثل عدم التدخل في الانتخابات، وعدم التصويت للرئاسة أو لجان المجلس، فإنّ ملامح الارتباك ظهرت واضحة في إعلان مرسوم الضرورة للتصويت بالبطاقة المدنية، سواء بصياغات القانون، فلا تزال الجهات المعنية تشرح معنى القانون للناس، مع أنه يُفترض أن يكون واضحاً من دون شرح.

ستكون الانتخابات القادمة غريبة عمّا سبقتها، وربما كانت أكثر الانتخابات غرابة قبلها هي انتخابات 1981. وقد بدأت المفاجآت حتى قبل إعلان موعد الانتخابات، ولا تزال الأيام حُبلى بالمفاجآت.

إلا أن الأهم هو أن قراراً قد اتُّخذ بتغيير قانون الانتخاب، حيث نص القانون على أنه لفترة انتقالية، أي أنّه سيتغير، ويفترض أنه سيكون من خلال المجلس القادم، فهل سيكون المجلس القادم أفضل، وهل سيتم إبطاله من خلال الطعن؟!

على أية حال، فالانتخابات ليست كالتنمية أو الإصلاح أو الشعارات، فلها موعد ونتائج معلومة التاريخ.

وحتى اللحظة، جاءت القرارات إيجابية في طريق الإصلاح الانتخابي، ولعلها تكون مدخلاً للإصلاح السياسي الشامل والتنمية المستدامة، وما أحوجنا إليهما.

أ.د. غانم النجار