نستكمل اليوم الحديث عن الطريق الصحيح لقيادة رئيس الوزراء للحكومة والتعامل مع المجلس.

خامساً: عليك سمو الرئيس أن تواجه أخطر وسيلة إعلامية عصفت بالبلاد في السنوات القليلة الماضية، وهي وسائل التواصل الوهمية والمؤجرة وغيرها من الوسائل التي تجرأت على الكذب والتجريح والإشاعات والتحريض وإشعال المعارك والفتن المختلفة بين المواطنين، والتي أدت إلى ثراء بعض القائمين عليها بالإضافة إلى تأجيج الصراع بين أبناء الأسرة الواحدة، فلا يجوز أن يخفى عليك تأثيرها المدمر على جموع غفيرة من الشعب الذين لا يعلمون حقيقة ما ينشر فيها فيصدقها الكثيرون، حتى وصل تأثيرها إلى بعض النواب فقاموا يستشهدون بما ينشر فيها دون تمحيص، وبلغ الأمر بأحدهم أن نشر مخاطبة ودية لمدون سبق أن شتم الأمير الحالي والأمير السابق.

Ad

فالواجب يا سمو الرئيس أن تأمر حكومتك بالرد والتوضيح على كل ما ينشر من أخبار غير صحيحة أولاً بأول وأن تنشر الوعي المجتمعي في كل الأمور، وخصوصاً المالية منها، كما يجب محاسبة كل من ينشر الأخبار الكاذبة والمحرضة وفقاً للقانون.

ومن المؤسف أن يزعم بعض النواب والناشطين أن عشرات المئات من الكويتيين محبوسون أو مهجرون بسبب آراء أو تغريدات تعبر عن حرية الرأي، وبحمد الله قمتُ بنشر إحصائية في مقالة سابقة بأن المحبوسين في الكويت عددهم 35 فقط، والهاربين لا يزيدون على 19، وأن أحكامهم ليست بسبب إبداء الرأي وإنما بسبب جرائم خطيرة استخدمت فيها وسائل الاتصال. وقد قامت بعض دول الخليج بحماية قيمها ومواطنيها وبإجراءات حازمة لابد منها، فلا يجوز أن تظل الكويت بلا حماية وتقود الرأي العام فيها حسابات مجهولة مع أنها أكثر دولة تتاح فيها حرية الرأي الملتزم بالنقد البناء الخالي من التجريح والكذب.

سادساً: لا يخفى على سموك خطورة ما يطالب به بعض الناشطين والنواب باسم الحريات، وقد تأثر بعض أعضاء مجلس الأمة فعمد إلى إلغاء بعض مواد قانون المطبوعات مثل خدش الآداب العامة والتعرض لكرامات الناس وغيرها، ولكن صاحب السمو الشيخ نواف حفظه الله رد هذا القانون للمجلس ولم يصدق عليه وسقط بحل المجلس، فلتحذر الحكومة القادمة من هذا الشعار الذي يخفي كثيراً من المخالفات لديننا وعوامل استقرار البلاد ووحدتها، وكل اقتراح يدعو إلى نمط من أنماط الحرية يجب أن يعرض على أحكام الشريعة.

سابعاً: المسارعة إلى حماية الأموال العامة ومكافحة الفساد والهدر، ولا شك أن هذه الأخطار لا تحتاج إلى أي شرح أو تفصيل والتصدي لها واجب شرعي ودستوري، ولكن الذي يجب التذكير به هو ضرورة الاستعانة بالأمناء وبالمتخصصين إلى جانب النظر إلى المصلحة العامة للدولة والأجيال القادمة، وعدم التهاون بها بحجة مراعاة طلبات الأعضاء أو بعض المطالب الفئوية أو الشعبوية التي يجب الانتباه إلى خطرها بالدراسة العلمية، كما يجب عدم اللجوء للحلول الوسط في هذه الأمور الفنية تحت ضغوط سياسية لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على الاقتصاد والمالية العامة ويصبح مجالاً للتكسب وللصراعات على المصالح والمناصب وخداع الناس.

ثامناً: أمام رئيس مجلس الوزراء قضاياً مزمنة لم تحلها الحكومات السابقة بسبب الضعف أو التأجيل أو الخوف من اتخاذ قرارات حاسمة لأنها ستزعج بعض النواب أو المتنفذين أو بعض الناس، فاكتفت بالوعود وتركت هذه المشكلات تنمو وتكبر مثل مشكلة المقيمين بصورة غير قانونية (البدون) ومشكلات الإصلاح الاقتصادي وتعديل هيكل الرواتب (بحيث يحقق العدالة بين الكويتيين وهو معروض على المجلس منذ 2016)، بالإضافة إلى التنمية وتعديل التركيبة السكانية والإسكان وآلية سوق العمل وإصلاح وتوجيه التعليم ليوفر التخصصات المطلوبة للعمل في العام والخاص، ومن غير الخوض في تفاصيل هذه المشكلات نستطيع القول إن على رئيس الوزراء أن يتسلح بالرؤية العلمية لعلاجها بناء على جميع الدراسات الحصيفة التي قدمت الحلول للحكومة بعيداً عن الضغوط الفئوية والانتخابية والمصالح الضيقة مع الاستعانة بالقوي الأمين من القياديين والمتخصصين وأهل الخبرة بما يحقق إقناع النواب بها، كما يجب على رئيس الوزراء الترحيب والتعاون مع أي اقتراح نيابي يحقق المصلحة في هذه الأمور، ولا يجوز بعد اليوم التأجيل والتسويف لأنه سيؤدي إلى تضخيم هذه المشكلات وإلى تلاشي الرفاهية في المستقبل وهي هدف كل شعب وكل حكومة.

المهم يا سمو الرئيس أن تكون البداية صحيحة علمياً فقد تأخرنا كثيراً، فإذا عزمت فتوكل على الله.

ملاحظة: الجملة التي وردت في صدر مقالة أمس بشأن عدم صعود رئيس الوزراء المنصة المقصود بها هو عندما تكون الاستجوابات غير دستورية وهذا واضح من صياغة كامل الفقرة التي وردت بها.

أحمد يعقوب باقر