وضع البطريرك الماروني بشارة الراعي مواصفاته لرئيس الجمهورية المقبل، وهي معايير لا بد من اتخاذها بعين الاعتبار، لا سيما أن انتخابه لا بد أن يمرّ بموافقة بكركي. المواصفات التي يضعها الراعي تتعارض مع عدد من المرشحين المسيحيين الذين يعتبرون أنفسهم أقوياء أو يتمتعون بتمثيل شعبي.

فالبطريرك يعتبر أن الرئيس القوي ترتكز قوته على علاقته بكل القوى السياسية في الداخل، والقادر على تقديم برنامج اصلاحي يستعيد الثقة بالبلاد، ويتمكن من استعادة علاقات لبنان العربية والدولية. وطالب الراعي المرشحين بتقديم برامجهم الانتخابية، والإعلان عن ترشحهم بدلاً من انتظار الظروف السياسية والإقليمية، هذا بحدّ ذاته يمثّل تطوراً في الموقف بمقاربة هذا الاستحقاق.

Ad

بحسب ما تشير مصادر كنسية لـ «الجريدة»، فإن البطريركية المارونية تعكف على دراسة كل الاحتمالات التي ستكون قائمة في انتخاب الرئيس الجديد، لا سيما أن الراعي أعلن قبل أيام أمام عدد من المطارنة ومن الشخصيات السياسية أنه لم يكن يوافق عام 2016 على معادلة اختصار المرشحين للرئاسة برؤساء الأحزاب المسيحية الأربعة. حالياً، يعتبر أنه لا بد من الخروج من هذه المعادلة، والذهاب إلى رئيس يتمتع بعلاقات جيدة مع الجميع، وقادر على تقديم خطة لإنقاذ البلاد، بدلاً من الانخراط في سياسة الأحلاف والمحاور. لذلك طالب مجدداً المرحشين بتقديم برامجهم وباعتماد الحياد الناشط.

واللافت أن موقف الراعي جاء بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على لقائه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، الذي ركز مجدداً على معادلة الرئيس القوي في طائفته والذي يتمتع بحيثية شعبية.

ويبدو واضحاً الاختلاف في طروحات الراعي من جهة وطروحات باسيل من جهة أخرى. في حين تشير مصادر متابعة إلى أن حركة الراعي في الأيام المقبلة ستتكثف في سبيل تسهيل إنجاز الاستحقاق في موعده، ولعدم دخول لبنان في الفراغ الرئاسي، ويتلاقى الراعي في مواقفه مع ضغوط دولية مكثفة تشدد على ضرورة انتخاب الرئيس قبل الوصول إلى الفراغ، لأنّ لبنان لن يكون قادراً على تحمّل تبعات تعطيل الاستحقاق الرئاسي.

في المقابل، يبرز تحرك سياسي واسع لحزب القوات اللبنانية من خلال التواصل مع جهات مختلفة لتشكيل جبهة مقررة في الانتخابات الرئاسية، وهناك مساع مبذولة لأجل توحيد الصفوف والخروج بموقف موحد والوصول إلى دعم شخصية يمكنها أن تحظى بالأكثرية وتتوافر فيها ظروف الفوز.

إلى جانب هذا التحرك، لا بد من الإشارة إلى موقف الفاتيكان، الذي جاء على لسان سفيره في بيروت، من خلال تركيزه على ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، معلناً تأييده لموقف البطريرك الراعي حول الحياد الناشط.

وتأكيد الفاتيكان واضح حول الحفاظ على صيغة المناصفة التي يضمنها اتفاق الطائف، وذلك لتجنّب دخول البلاد في مزيد من حالة الشلل التي ستؤدي إلى إعادة البحث بالنظام مجدداً، أو السعي إلى عقد مؤتمر تأسيسي، فهذا ستكون له نتائج سلبية على الواقع السياسي والاجتماعي اللبناني.

كل هذه المواقف سيكون لها صداها على الساحة المحلية، وسط معلومات تفيد بأن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من التنسيق من الشخصيات السنية مع بكركي أولاً، ومع سفارة الفاتيكان ثانياً، خصوصاً أن وفداً سنياً سيلتقي السفير البابوي قبل مغادرته بيروت لانتهاء خدماته، على أن يتم تسليمه رسالة واضحة إلى الحبر الأعظم حول الحرص على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، والتي يجب أن تستمر برعاية الفاتيكان والقوى الدولية المهتمة بلبنان، لإنجاز الاستحقاقات الدستورية، ولتجنب المزيد من الانهيار الاقتصادي والمؤسساتي.

منير الربيع