«كل أملنا في المجاعة»! صدرت هذه الكلمات المزعجة عن واحد من كبار المسؤولين في الحملة الدعائية الروسية. لا يمكن تخفيف المعنى الذي تحمله هذه العبارة، بل إنها مجرّد تفسير بسيط ووحشي للطريقة التي ينوي فلاديمير بوتين استعمالها للفوز في حربه غير الشرعية في أوكرانيا.

تذكر تقارير الأمم المتحدة أن 35 مليون شخص سيواجهون مجاعة حادة في نهاية السنة بسبب تداعيات أزمة كورونا المستمرة وصدمة الغزو الروسي، وستكون البلدان التي تتكل على المواد الغذائية والأسمدة من منطقة البحر الأسود في شرق أوروبا الأكثر تضرراً. في القرن الإفريقي، بدأت مظاهر المجاعة تتّضح منذ الآن، وقد لا يفهم معظم الأميركيين معنى المجاعة، ومع ذلك تبقى هذه الظاهرة حقيقة راسخة على مر الزمن للأسف.

Ad

لكنّ المجاعة العالمية التي يخطط لها بوتين قد تُسبب كوارث أسوأ بعد ذلك، إذ قد يموت ملايين الناس في أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بسبب الجوع في نهاية عام 2023، وقد تتهجر ملايين أخرى من منازلها هرباً من الجوع والاضطرابات السياسية والحرب. يراهن بوتين على هذه الأزمات، تزامناً مع ارتفاع أسعار الطاقة، لإجبار خصومه الأوروبيين على التخلي عن شعب أوكرانيا، وهو يأمل أن يوافق حلف الناتو والاتحاد الأوروبي على أي شروط مقابل تلقي المواد الغذائية والنفط والغاز الطبيعي، مما يسمح للجيش الروسي بالتعافي وترسيخ سيطرته في أجزاء من أوكرانيا والاستعداد لتنفيذ تحركات عدائية أخرى.

بوتين هو المسؤول المباشر عن الفوضى المرتقبة، لكن يجب أن نفهم الأسباب التي منحته القدرة على معاقبة بقية دول العالم.

يملك بوتين هذا النفوذ للأسف لأن الأيديولوجيين اليساريين والمتطرفين في تأييدهم للتجارة الحرة منحوه هذه الميزة، ففي العقود القليلة الماضية، كانت الولايات المتحدة تستطيع إنتاج كميات إضافية من المواد الغذائية ومصادر الطاقة والأسمدة، لكن القادة الأميركيين فضّلوا تطبيق تدابير مناخية مثقلة بالأعباء، وكبحوا تطور قطاعات الزراعة والمعادن والطاقة في الأراضي العامة والخاصة على حد سواء، ودعموا سلاسل إمدادات راسخة في اقتصادات الخصوم.

لقد خنقنا أنفسنا بالإجراءات البيروقراطية المفرطة وأرسلنا صناعاتنا إلى الخارج، بينما راحت بكين وموسكو تخططان لاستعمال نفوذهما الاقتصادي المستجد كسلاح بحد ذاته. يعني ذلك بالنسبة إلى روسيا الإقدام على غزو أوكرانيا على افتراض أن أوروبا ستتراجع، أما الصين، فقد تعتبر هذا الوضع مناسباً لغزو تايوان أو حرمان الولايات المتحدة من الأدوية والمعادن الأساسية.

كانت المؤشرات التي تنذر بهذا الوضع واضحة أمامنا، لكننا رفضنا التحرك للتعامل معها، وها نحن نحصد اليوم ثمار جهلنا وإنكارنا للواقع.

مع ذلك، تستطيع الولايات المتحدة أن تغيّر مسارها في مرحلة معينة، فإذا رفعنا القيود المفروضة على اقتصادنا بطريقة استراتيجية، فقد نتمكن من زيادة إنتاج المواد الغذائية والطاقة سريعاً، هذه المقاربة قد تنقذ حياة الناس حول العالم، وتلبّي حاجات حلفائنا، وتُخفف المصاعب الاقتصادية محلياً.

لكن بدل تخفيف الإجراءات البيروقراطية، يريد الرئيس جو بايدن دعم السياسات التي أوصلتنا إلى هذا الوضع، ما يعني تقليص إمدادات الطاقة والأغذية وجميع المواد الأساسية. في الوقت نفسه، يريد الديموقراطيون في الكونغرس أن يخصصوا أموالاً لا نملكها لإنتاج طاقة متجددة لا يمكن الاتكال عليها، ما يعني ترسيخ الركود الذي نواجهه.

هذا ما يحصل حين يسيطر ماركسيون متطرفون وليبراليون غافلون على الحزب الديموقراطي. هم يظنون أن المناخ أصبح حارقاً وأن الجنس البشري يوشك على الانقراض، ويعتبرون سياساتهم المتطرفة حلاً لجميع المشاكل، لكن على أرض الواقع، ستُسرّع هذه المقاربة موجة المجاعة القادرة على قتل الملايين.

لهذا السبب، يجب أن يعارض الكونغرس دعوات الرئيس بايدن لإعلان حالة طوارئ وطنية بسبب المناخ، لمساعدة الأميركيين على معالجة مشكلة ارتفاع الأسعار، يجب أن نعزل بلدنا عن الاضطرابات الدولية، ونحمي ملايين الناس حول العالم من المجاعة، ونزيد إنتاج الطاقة والمواد الغذائية والأسمدة والصناعات بدل الحد منها.

لن يكون التعصب المناخي مفيداً في أي مرحلة، لكنه يزيد اليوم مظاهر الموت والدمار في الخارج ويرسّخ الكارثة الاقتصادية في الداخل، من واجبنا أن نتجنب هذا النوع من النتائج.

*ماركو روبيو

Real Clear