وعدت الصين، اليوم، بألا تترك «أي هامش مناورة» لمؤيدي استقلال تايوان، مؤكدة أن «استخدام القوة» لاستعادة الجزيرة لا يزال مطروحاً «كملاذ أخير»، ومتراجعة عن تعهّدها، في الوقت نفسه، بعدم إرسال قوات إلى الجزيرة «بعد التوحيد».

وتأتي هذه التحذيرات الجديدة بعد مناورات عسكرية صينية مكثفة جرت في الأيام الأخيرة حول الجزيرة، وانتهت امس، ردا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي «الاستفزازية» لتايبيه.

Ad

ونشر «مكتب شؤون تايوان»، الهيئة الحكومية الصينية، «كتابا أبيض»، اليوم، يشرح بالتفصيل كيف تخطط بكين لاستعادة السيطرة على الجزيرة، خصوصا عبر حوافز اقتصادية.

وتم إعداد ونشر الوثيقة التي تحمل عنوان «قضية تايوان وإعادة توحيد الصين في العصر الجديد»، بشكل مشترك من مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصينية، والمكتب الصحافي لمجلس الدولة الصينية. ويتم نشر «الأوراق البيضاء» بانتظام، لتوضيح سياسة بكين في مختلف القضايا.

وجاء في الوثيقة التي تبدو أقرب إلى يد ممدودة للسلطات التايوانية «نحن على استعداد لخلق مساحة واسعة للتعاون من أجل تحقيق إعادة توحيد على نحو سلمي».

لكنها أضافت: «لن نترك أي هامش مناورة للأعمال الانفصالية التي تهدف إلى استقلال زائف لتايوان، أيًّا كانت».

«خطوط حُمْر»

وقالت بكين في «كتابها الأبيض»، وهو الأول حول هذا الموضوع منذ عام 2000، «لسنا ملتزمين بالتخلي عن استخدام القوة»، لكنّها أوضحت بعد ذلك أنه «يمكن استخدام القوة كملاذ أخير، في ظروف قاهرة. سنضطر إلى اتخاذ إجراءات صارمة في مواجهة استفزازات الانفصاليين أو قوى خارجية إذا تجاوزوا خطوطنا الحُمر».

ويتضمن الكتاب الأبيض وعودا بازدهار اقتصادي بعد «إعادة التوحيد»، إذ تقترح الصين تعزيز العلاقات الثقافية، وفي مجال الضمان الاجتماعي والصحة، وحتى تعزيز «التكامل» الاقتصادي بشكل أفضل، خصوصا عبر «سياسات تفضيلية».

ويؤكد النص أنه «بوجود وطن قوي يعتمد عليه، سيكون مواطنو تايوان أقوى وأكثر ثقة وأكثر أمانًا، وسيحظون بقدر أكبر من الاحترام على الساحة الدولية».

إلا أن الوثيقة أظهرت أيضاً، أن الصين سحبت تعهّدها بعدم إرسال قوات أو إداريين إلى تايوان بعد استعادتها، في إشارة إلى قرار الرئيس شي جينبينغ بمنح الجزيرة قدرا من الحكم الذاتي أقل ممّا تم اقتراحه في السابق.

وكانت الصين قد قالت، في تقريرين سابقين بشأن تايوان، صدرا عامَي 1993 و2000، إنها «لن ترسل قوات أو موظفين إداريين إلى تايوان» بعد تحقيق الوحدة.

ولم يظهر في التقرير الأخير ذلك السطر، الذي يهدف إلى طمأنة تايوان بأنها ستتمتع بالحكم الذاتي، بعد أن تصبح منطقة إدارية خاصة تابعة للصين.

انتهاء المناورات

ميدانياً، أكملت قيادة «المسرح الشرقي» للجيش الصيني مهامها في تدريبها العسكري بالقرب من تايوان، وستجري دوريات بشكل منتظم في المنطقة، حسبما ذكر مركز القيادة العسكري الإقليمي في بيان. وكانت تايوان قد بدأت أمس تدريبات بذخيرة المدفعية الحية المعروفة باسم تدريبات «تيان لي».

وفي لندن، استدعت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، اليوم، سفير الصين ليقدم تبريرا لتصرفات بكين تجاه تايوان.

وقالت تراس: «أصدرت تعليمات للمسؤولين باستدعاء السفير الصيني لشرح تصرفات بلاده. لقد رأينا تصرفات وتصريحات عدوانية من بكين في الأشهر الأخيرة، مما يهدد السلام والاستقرار في المنطقة». وتابعت: «المملكة المتحدة تحثّ الصين على حل أي خلافات بالطرق السلمية، دون التهديد أو استخدام القوة أو الإكراه».

موقف محرج

في غضون ذلك، التزمت الدول الأوروبية الصمت حيال التوتر بين الصين وتايوان، الأمر الذي يثير التساؤل بشأن الجهة التي ستميل إليها تلك الدول حال نشوب نزاع بين البلدين، في ظل العلاقات المتشابكة بينها وبين كل من الصين والولايات المتحدة.

وتقول مجلة بوليتيكو الأميركية، إنه رغم تردّد مسؤولي الاتحاد الأوروبي في مناقشة أبعاد النزاع في تايوان، فإن الحرب الكلامية بين بكين وواشنطن تدفع أوروبا للاستعداد لأي تصعيد.

ووفق أستاذ الفلسفة السياسية، رامي العلي، فإن أوروبا لم تكن تريد «زيارة بيلوسي الاستفزازية»، فهناك استثمارات أوروبية بالصين واستثمارات صينية في أوروبا.

ولا يرى العلي أن أوروبا تلتزم الحياد التام، موضحا أنه بعد تصاعد الموقف بالزيارة، تميل أوروبا أكثر إلى واشنطن، نظرا للتباينات الاستراتيجية مع بكين، مقابل التحالف التاريخي مع واشنطن، ولقلق أوروبا من حدوث هيمنة صينية على التجارة العالمية، لاسيما أن تايوان تمثّل شطرا استراتيجيا في هذه التجارة، بكونها المنتج الأكبر لأشباه الموصّلات بنحو 60%.

لذا، يتوقع العلي أنه في حال حدوث مواجهة مباشرة بين بكين وواشنطن في تايوان، سيصبح موقف أوروبا، وخاصة بريطانيا، أقرب للولايات المتحدة «رغم أنها لا تريد التوتر مع الصين».

وفي 2020، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي بدل واشنطن، بتجارة حجمها 586 مليار دولار، وبزيادة 31 مليار دولار عن حجم التجارة مع الجانب الأميركي.

وفي الوقت نفسه، تجمع دول الاتحاد الأوروبي وواشنطن علاقات اقتصادية وطيدة أيضا، علاوة على تحالفهما داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبين أوروبا وواشنطن 30 بالمئة من حجم التبادل التجاري الدولي في البضائع، ونحو 40 بالمئة من التجارة العالمية للخدمات.

ووفق العلي، فإنّ اندلاع الصراع في تايوان، وفي ظل حرب أوكرانيا، سيؤثر سلبا على أوروبا، لأن الصين ستأخذ جانب روسيا بشكل أكبر، وهو ما سيعود بالنفع على موسكو بأن تقلل وطأة العقوبات المفروضة عليها، فيما ستتضرر أوروبا بتراجع علاقاتها بروسيا والصين في آن واحد.