لم تشهد ذاكرة التاريخ الإنساني حالة من الإجماع منقطع النظير مثلما تعاطت دول العالم الحرة مع الغزو العراقي الغاشم للكويت في الثاني من أغسطس 1990 إذ دانت تلك الجريمة النكراء التي قام بها محتل غادر تسلل في جنح الليل محاولاً طمس هوية دولة وتاريخها ونهب ثرواتها ومقدراتها.

وشكل ذلك اليوم المشؤوم الذي تحل ذكراه الـ 32 اليوم محنة وملحمة أكدا صلابة الإرادة السياسية الكويتية مدفوعة بظهير شعبي ليضربا معاً أروع الأمثلة في التعاضد من أجل دحر العدوان ونصرة الشرعية وبقاء الكويت التي أراد النظام البائد الغاشم ضمها إلى دولته.

Ad

ولم تتوان قيادة الكويت حينها وعلى رأسها الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وولي عهده رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله برفقة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الذي كان حينها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية - طيب الله ثراهم - في حشد التأييد الدولي والعربي للقضية الكويتية واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحرير البلاد.

وسجل الأشقاء الخليجيون ومن معظم الدول العربية والأصدقاء في العالم صفحة ناصعة البياض ستظل أبد الدهر محفورة في ذاكرة التاريخ الإنساني شاهدة على تباري القوى العالمية لنصرة الشرعية الكويتية ودعمها في وجه المحتل أثمر تحالفاً دولياً قوامه أكثر من 30 دولة انخرطت في حرب تحرير الكويت حتى تقهقر المحتل صاغراً موسوماً بعار انتهاك عرى الأخوة والجيرة.

نصرة الحق

وانطلاقاً من نصرة الحق والوقوف في وجه قوى الظلام أعلنت معظم الدول العربية تأييدها التدخل العسكري لوقف آلة الحرب العراقية وإرغامها على الانسحاب ليصدح صوت العرب بقيادة المملكة العربية السعودية ومعها شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسورية ولبنان وغيرها لدعم الحق الكويتي وتوسيع دائرة الإدانة الدولية للغزو ورفض كل ما يترتب عليه من نتائج وإعادة الشرعية الكويتية.

ومثلت دول التعاون نواة التحرك السياسي والدبلوماسي الرافض للعدوان ونتائجه والمطالب بالانسحاب العراقي من الأراضي الكويتية بلا شروط حيث عقد وزراء خارجيتها اجتماعاً طارئاً بالقاهرة في 3 أغسطس 1990 على هامش اجتماعات مجلس الجامعة العربية.

عودة الشرعية

وفي اليوم نفسه عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة بناء على طلب عدد من الدول أصدر في ختامها قراره الشهير 660 ودان فيه الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، داعياً إلى انسحاب العراق فوراً ودون قيد أو شرط من الأراضي الكويتية وعودة الشرعية إلى الكويت.

ونجحت جهود دول مجلس التعاون في عقد القمة العربية الطارئة بالقاهرة بتاريخ 10 أغسطس 1990 بعد اجتماعي وزراء الخارجية العرب ووزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي يومي 3 و4 من الشهر نفسه أيضاً.

وحينها أيضاً أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي تنديدهما بالغزو وطالبا العراق بسحب قواته فوراً من الكويت كذلك أصدرت الدورة التاسعة عشرة لوزراء خارجية الدول الإسلامية خلال انعقادها بالقاهرة بياناً طالبت فيه بانسحاب القوات العراقية من الأراضي الكويتية في حين أجمع سفراء مجموعة دول عدم الانحياز خلال اجتماعهم في نيويورك على إدانة الغزو ومطالبة العراق بالانسحاب الفوري.

عقوبات اقتصادية وعسكرية

وبعد القرار 660 تقدمت الولايات المتحدة بمشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن يقضي بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية شاملة ضد العراق لإجباره على الانسحاب من الكويت دون قيد أو شروط.

ووافق مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة بعد تعديله وإضافة بعض البنود عليه وأصدر المجلس قراره رقم 661 في السادس من أغسطس وهو الثاني بعد الغزو العراقي الغاشم للكويت، وأكد تصميم المجلس على إنهاء احتلالها وإعادة سيادتها وضمان سلامتها.

واستدعت التطورات فتح الباب أمام الدول المحبة للسلام لإرسال قوات إلى المنطقة وعلى الفور جرت اتصالات بين مختلف العواصم العالمية لحشد تحالف دولي خصوصاً بعدما أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً ثالثاً بشأن احتلال الكويت هو القرار 662 أكدت فيه الأمم المتحدة رفضها القاطع لقرار العراق بضم الكويت واعتبرته باطلاً وملغى وطالب القرار جميع الدول والمنظمات الدولية والوكالات المتخصصة بعدم الاعتراف بذلك الضم.

التحالف الدولي

كما بدأت طلائع قوات عربية ودولية في الوصول إلى الأراضي السعودية لتشكل في المجمل التحالف الدولي لتحرير الكويت في حين أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الرابع الخاص بالغزو العراقي وحمل الرقم 664 وجدد تأكيده بطلان ضم الكويت إلى العراق.

وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 674 ضد العراق واتفقت الدول الخمس الكبرى على صيغة مشروع قرار يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد العراق إذا لم ينسحب من الكويت.

وفي نهاية نوفمبر 1990 أصدر مجلس الأمن عدة قرارات متعلقة بالعراق أولها القرار رقم 677 الذي حذر العراق من مغبة محاولاته الرامية إلى طمس هوية الكويت وتوطين عراقيين محل المواطنين الكويتيين وأكد أهمية الاحتفاظ بالنسخ المهربة من سجل السكان في الكويت.

كما أصدر المجلس قراره رقم 678 الذي يبيح كل الوسائل الضرورية لضمان الالتزام بالقرارات السابقة وإعطاء العراق مهلة حتى 15 يناير 1991 ليسحب قواته من الكويت وإلا واجه خطر الحرب مع قوات التحالف الدولي المحتشدة ضده.

استخدام القوة

وعقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 678 الذي يقضي باستخدام القوة العسكرية ضد العراق تسارعت وتيرة الأحداث وفي فجر السابع عشر من يناير 1991 بدأت قوات التحالف هجومها الكبير على مواقع عسكرية واستراتيجية عراقية في الكويت والعراق تمهيداً لتحرير الكويت شملت هجوماً جوياً على المنشآت والقواعد العسكرية العراقية ومراكز القيادة والسيطرة والمرافق العامة والجسور ومحطات المياه والكهرباء فضلاً عن 60 قاعدة عسكرية.

وفي 24 فبراير 1991 بدأت قوات التحالف الدولي هجومها البري على القوات العراقية في الكويت وقامت القوات المؤلفة من 30 دولة معززة بأحدث الآلات بمهاجمة القوات العراقية وتدميرها في الأراضي الكويتية وسرعان ما انهار الجيش العراقي تحت وطأة ضربات القوات الدولية باتجاه مدينة الكويت التي عادت إلى أهلها حرة أبية في 26 فبراير 1991 بعد 210 أيام من الاحتلال.

مجلة الكويت: الغزو جسّد التلاحم بين الشعب وقيادته

تضمن العدد الجديد من مجلة الكويت الصادر، أمس، ملفاً يستعيد ذكرى الغزو العراقي الغاشم على الكويت، ويلقي الضوء على الملاحم الوطنية التي قدّمها الشعب الكويتي دفاعاً عن وطنه، والدروس والعبر المستفادة منها.

وشارك بملف المجلة التي تصدرها وزارة الإعلام ممثلة بقطاع الصحافة والنشر والمطبوعات العديد من الكتّاب بموضوعات عن الدروس والعِبر التي قدّمها الشعب الكويتي وتعلمت منها الأجيال.

وتناولت تلك الموضوعات دروس التضامن الوطني بين أفراد الشعب وقيادته مع التفاصيل التي تناولها السرد الكويتي في الروايات الأدبية خلال إبداعات أجيال مختلفة من الكتّاب الكويتيين.

وتطرق الكُتّاب إلى أزمة الغزو العراقي الغاشم عام 1990 وأثرها في حياة المواطن الكويتي قبل التحرير وبعده، كما شمل الملف تناول المسرح الكويتي للقضية بوصفه القوة الناعمة التي تعالج الواقع الاجتماعي والسياسي فنياً.

وتضمن بيان التأثر البيئي للعدوان العراقي الغاشم على دولة الكويت، وطبيعة معاناة البيئة في الكويت ومجالها الحيوي من الانبعاثات السامة وجهود الدولة في مواجهتها.

وشمل العدد كذلك فصولاً من نضال الشعب الكويتي في مقاومة الاحتلال عبر 3 موضوعات عن متحف القرين ودور إذاعة الكويت في التواصل مع العالم الخارجي ومع الشعب في الداخل خلال الأزمة.