شكلت هطولات الأمطار الغزيرة والفيضانات الناجمة عنها في عدد من دول المنطقة مؤشراً على التغيرات المناخية، التي تضع الدول في مواجهة مع «تحولات الطبيعة»، وتحتم عليها اتخاذ اجراءات توازي حجم التحولات الاستثنائية، التي كشفت الموجة المطرية الاخيرة الأسبوع الماضي، أنها تتجاوز التدابير المعتمدة لدى كل الدول المنكوبة بالسيول.

وعلى الرغم من أن العاصفة المطرية الأخيرة لم تصب الكويت بشكل مباشر، بحيث جاءت كمية المتساقطات قليلة جداً، لكنها فتحت الباب واسعاً على تساؤلات ملحّة ومزمنة عن قدرة البلاد على مواجهة الطفرات المطرية المرجحة للتزايد والحدة نتيجة التغيرات المناخية، علماً أن «غرقتي 2018 و2022» أظهرتا عجز البلاد عن استيعاب الهطولات المتوسطة، فكيف يمكن احتواء ما هو أكثر من ذلك؟.

Ad

فيضانات متكررة

في مقاربة بيئية للتحولات المناخية، ولظاهرة «أمطار يوليو» أو ما شاع وصفها مجتمعياً بأمطار صيف 2022، قالت مديرة البرامج والأنشطة بالجمعية الكويتية لحماية البيئة جنان بهزاد، إن هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات الناجمة عن التغيرات المناخية أصبحت أكثر احتمالاً وشدة، مؤكدة أن «الفرضية العلمية الواضحة من الدرجة الأولى هي أن درجات الحرارة القصوى تزداد دفئاً وأن البرودة المتطرفة أقل برودة وبذلك يميل هطول الأمطار الغزيرة إلى الزيادة».

نظام متكامل لاستيعاب الأمطار وإدارتها

أفادت جنان بهزاد بأن «مياه الأمطار قد تكون كارثية إذا لم يتم تصريفها بشكل مناسب وتوجيهها للاستفادة منها، وأن عدم وجود نظام متكامل لإدارة المياه يسمح باستمرار الآثار البيئية، وعدم استغلال مياه الأمطار العذبة وتخزينها»، لافتة إلى أنه «من الضروري أيضاً الاتجاه للاستفادة من مياه الأمطار التي تأتي بهذه الكميات وتوجيهها للاستفادة منها من خلال عمل دراسة هيدرولوجية لأحواض التصريف لتقدير كميات السيول المتوقعة فى الأودية المختلفة وتحديد المناطق الواقعة تحت التهديد المباشر للسيول (سيناريوهات مختلفة) من خلال تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية والنماذج الرياضية التي ترتكز على التجارب الحقلية والتحليل الدقيق لبيانات الأمطار مع دراسة خصائص أحواض التصريف السطحية وطبيعة التربة وحالة الغطاء النباتى».

وختمت ان «مرور مثل هذه الامطار دون خسائر هو الناتج من التخطيط السليم لاستقبالها».

وأوضحت بهزاد في تصريح لها «أن تغير المناخ تسبب في زيادة هطول أمطار غزيرة وأشد ضرراً وازدادت الظواهر المتطرفة في العالم خلال المواسم المختلفة ومن الصعب تحديد الاتجاهات في عدد وشدة الأعاصير»، مضيفة «في البيانات المنشورة لمتوسط درجات الحرارة والهطول السنوي منذ عام 1979 لم يتم تسجيل أي حالة هطول مطري لأشهر الصيف (يونيو – يوليو – أغسطس).

واعتبرت أنه «يجب الاستعداد واتخاذ تدابير للحد من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية السلبية لتغير المناخ وتواتر وشدة هطول الأمطار»، مشيرة إلى أن «الفيضانات واسعة النطاق في مناطق متفرقة من الخليج العربي، الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة قد لا تكون الأخيرة، وقد تصبح أكثر تواتراً في المستقبل نتيجة تغيرات المناخ الناجمة عن انبعاث غازات الاحتباس الحراري البشرية».

تغيرات واستعدادات

وحول الاستشراف الاستراتيجي والتخطيط للسيناريوهات المحتملة بناء على البيانات والمعطيات، قالت بهزاد «مع زيادة درجات الحرارة المستمرة، ستصبح نوبات هطول الأمطار الغزيرة أكثر شيوعاً، بالتالي فإن التغيرات المناخية والطفرات التاريخية في هطول الأمطار مثلما حصل في نوفمبر 2018 قابلة للحدوث مرة أخرى وتحتاج إلى استعداد وطني لمواجهة التغيرات المناخية المتوقعة وغير المتوقعة مستقبلاً».

ولتجنب حدوث الحوادث الناتجة عن الأمطار الغزيرة، اعتبرت أنه «يجب استدراك الأخطاء في البنية التحتية وإدماج المتغيرات والنماذج الإحصائية للتغيرات المناخية في المشاريع الحديثة حتى نتجنب حدوث نتائج للكوارث البيئية في المستقبل».

إجراءات «الأشغال»

من جهتها، كشفت مصادر مطلعة في وزارة الأشغال العامة لـ «الجريدة» أن الوزارة أعدت دراسة منذ عام 2017 لمعالجة الطاقة الاستيعابية المحدودة لتصريف مياه الأمطار، من خلال زيادة سعة شبكة التصريف الموجودة في البلاد وتغييرها بشكل كامل، حرصا على استيعاب السيول التي قد تطرأ على الكويت خلال السنوات القادمة، سواء من خلال المشاريع الجديدة التي يتم إقرارها للطرق، أو من خلال تجديد الشبكة وأعمال الصيانة التي تتم عليها.

وأشارت المصادر إلى أن معدل تصريف الأمطار بالشبكة الحالية يستوعب متساقطات بحجم 27 ملم بالساعة كحدّ أقصى، كاشفة أن ترسبات الأوساخ التي توجد في الشبكة، والمخالفات التي تقع عليها من ربط غير قانوني، أو تكسير، إضافة إلى التحويلات التي تتم على الشبكات من المشاريع أو من أعمال البناء بالمناطق المختلفة، والتصريف على بعض المجارير، مثل الغزالي وصباح الناصر والمنطقة الحرة، تقلّص من نسبة تصريف الشبكة، وتؤدي الى غرق بعض المناطق.

وأوضحت المصادر أنه في موازاة الطاقة الاستيعابية المحدودة لشبكة التصريف، تم اللجوء بعد «غرقة 2018» الى حلّ البحيرات المائية، غير أن تلك البحيرات تحتاج الى متابعة دائمة نتيجة الرياح والعواصف شبه الدائمة على البلاد، وتقوم الفرق دوريا بتنظيف تلك البحيرات، إضافة إلى إجراء الصيانة اللازمة على السواتر التي أنشئت في المناطق الحرجة التي تشهد تجمّعا للمياه.

وبينت أن مخارج تصريف الأمطار، التي تعاني ارتفاع المد خلال موسم الأمطار، لم يطرأ عليها أي جديد، خاصة أن هناك فكرة طرحت بوضع بوابات على تلك المخارج لمنع دخول مياه البحر إلى الشبكة، لكنها لم تنفذ، إضافة إلى مشروع آخر بوضع مصدات داخل البحر أمام تلك المخارج، إلا أنها لم تنفّذ أيضا، لافتة إلى أنها قد تحتاج إلى مزيد من الدراسة.

واستنادا الى تلك الإجراءات تعتبر مصادر «الأشغال» أن الحلول الآنية تبدو غير قادرة على مواجهة أي زيادة كبيرة في حجم المتساقطات المطرية، مضيفة أن الحلول الناجزة لذلك تكمن في مشروع الأنفاق العميقة الذي يهدف الى تصريف مياه الأمطار بسهولة مهما بلغت معدلاتها، بيد أن المشروع مدرج في ميزانية 2023/ 2024.

«الأرصاد»: سيول الأسبوع الماضي «شذوذ» مناخي

قال متنبئ الأرصاد الجوية، ضرار العلي، في تصريح لـ «الجريدة»، إن ما حدث أخيرا في عمان وقطر وإيران من هطول سيول في الصيف لا يعود إلى التغيّر المناخي، بل هو شذوذ في الطقس يعود إلى ارتفاع الرطوبة، مبينا أن الكويت نادرا ما يحدث بها مثل هذه الظواهر، بسبب موقعها وطبيعتها الجغرافية، إلا أنه أمر قد يحدث مستقبلا مع التغيّر المناخي العالمي.

وأضاف العلي أن هطول الأمطار الغزيرة على منطقة ما يرجع إلى عدة أسباب جغرافية ومناخية، فإذا اجتمعت تلك الأسباب تحدث الأمطار.

عادل سامي وسيد القصاص *