تحل علينا غداً الذكرى الثانية والثلاثون للغزو، إلا أننا ما زلنا لم نتعلم منه الكثير، بل كاد يصبح نسياً منسياً. ويبدو أن ظاهرة نسيان الشعوب لتجاربها الجمعية القاسية صارت أمراً اعتيادياً.

ليس المطلوب تذكُّر الغزو لتقليب المواجع، أو للدفع بكراهية، ولكن لتعزيز قيم تماسك، وتضحية، وصمود، تبخرت كالشمع تحت الشمس الحارقة.

Ad

عندما تحررت البلاد، وكنّا حينها أسرى في معتقل بوصخير شمال البصرة، يزيد عددنا على 1200 أسير، وحالما عُدنا إلى بلادنا المشتعلة بدخان النفط من حرائق آباره، اتفقنا على أنه لا يزال أمامنا عمل ومهمات لم تستكمل تجاه الوطن، وكان من أهم أولوياتنا العمل على الإفراج عن الأسرى، وشكّلنا لذلك الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب، وأعلنّا تأسيسها في منزل الأسير الشهيد النائب السابق فيصل الصانع.

كانت التحديات كبيرة، إلّا أننا حاولنا التركيز على موضوع الأسرى وأطلقنا شعار «لا تنسوا أسرانا»، وما زلت أرى أحياناً ملصقاته على جدران بعض الدوائر الحكومية حتى اليوم.

اجتمع حول ذلك الشعار مئات المتطوعين الصامدين، وخرجت من رحِمِه الهيئة الشعبية للدفاع عن الأسرى والمفقودين، وهي تجمع جمعيات نفع عام، ورابطة أهالي الأسرى والمفقودين، وجرت في ذلك الإطار مجهودات كبيرة، بجهود ذاتية، من تجميع وثائق، وتواصُل مع المنظمات الدولية، وإرسال وفود خارج البلاد، واتصالات واسعة، قد ترى النور قريباً.

إلّا أن الحكومة حينها، بدلاً من دعم ومساندة تلك الجهود، بذلت قصارَى جهدها لإعاقتها، وأطلقت شعاراً مضاداً هو «لن ننسى أسرانا». وليتها حين فعلت ذلك كانت قد أجادت عملها، ولكن ما حدث هو العكس، ومأساة الأسرى لم تُروَ بعد.

لا أحب ذكرى الغزو، ففيها الكثير من الألم والأسى، وذكرى أصدقاء رحلوا بسبب تمسّكهم بتراب الوطن، إلا أن استذكاره ربما فيه دروس تساعدنا في محاولة ترميم ما ضاع من فرص.

ها هي أكثر من 3 عقود مضت على الغزو، ولا أظن أننا تعلّمنا الكثير، بل حتى الروايات قد شابها ما شابها.

نسأل الله الرحمة للشهداء الأبرار، وليحفظ المولى الكويت وشعبها من كل مكروه.

أ.د. غانم النجار*