تعيش الكويت مرحلة تاريخية ومفصلية تتطلب صيانة المؤسسات وتطهير السلطات وتجديد الأولويات وإنهاء الخلافات، فرغم اليأس الذي تغلب علينا في السنوات الأخيرة بسبب هذه التراجعات الجسيمة في حال وطننا، استطاع صاحب السمو بحكمته أن يترجم الإرادة الشعبية التي تجسدت في اعتصامات الدواوين واعتصام النواب بخطاب تاريخي شعبي ألقاه نيابة عنه سمو ولي العهد، والذي أكد فيه التمسك بالدستور والديموقراطية واحتكامه للإرادة الشعبية عن طريق حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات عامة حرة ونزيهة وخالية من التدخلات الخارجية.

إن أهم وسائل الخروج من الحقبة السياسية الأخيرة هو تغيير النهج والآلية في تشكيل الحكومة ورئيسها بالطريقة التقليدية البائسة التي طالما رضخت للضغوطات الخارجية وخضعت لحسابات وموازنات الأسرة، وهو ما يجب استبداله بنهج جديد قائم على احترام الدستور والاقتراب من المواطن قبل الاقتراب من المسؤول أو النائب أو الشيخ في ظل حكومة مكونة من أشخاص دولة لا يكتفون بتمرير الميزانية والمصادقة على الحالة المالية للدولة فقط، وإنما يجسدون القدرة على اتخاذ القرار دون تردد، ويرسخون الإرادة الشعبية دون رضوخ، ويمهدون الطريق لانتخابات برلمانية حرة دون الاستسلام لضغوطات أصحاب المصالح.

Ad

لم يسبق رئيسَ الوزراء الجديد الشيخ أحمد النواف رئيس حظي بمثل هذا الشعور العام بالتفاؤل، وهذا ليس نتيجة إنجازات خاصة بسموه بحكم قصر تاريخه السياسي، وإنما نتيجة تركة الحقبة السياسية السابقة التي تغلبت عليها عناصر الفساد وفقدان القرار وسوء الأداء، وهذا يلزم الشيخ أحمد النواف بالاحتكام للإرادة الشعبية والأخذ بمواصفات جديدة في تشكيل الحكومة معيارها الكفاءة قبل التكسب، فالإدارة بمواصفات قديمة ستكون كارثة على البلد ومدخلاً جديداً لأزمات سياسية شلت البلد وأوقفت تنميته.

ونصارحك سمو الرئيس بأهم الركائز التي يجب التمحور حولها بحكومتك الانتقالية لنحصد منها ثمار العمل الجماعي والتعاون والتوافق المطلوب لتتحقق طموحات الشعب وهي:

- الالتزام بمضمون خطاب سمو الأمير وتهيئة الظروف ليتحمل الشعب كامل مسؤولياته في الانتخابات القادمة.

- تعديل قانون الانتخابات الفرعية لتجريمها هي والتشاورية قبل حدوثها حتى تثمر الانتخابات نواباً يمثلون فكراً ومبدأ بعيداً عن الضغوطات العائلية أو القبلية أو المذهبية التي تعرقل العملية الديموقراطية.

- إنهاء التزوير المستتر للانتخابات الذي تجسد في نقل الأصوات، وليكون تسجيل الناخبين في دوائرهم الانتخابية وفق سجلهم المدني الصادر عن المعلومات المدنية عن طريق تشريع قانون المفوضية العليا للانتخابات.

- التعميم على جميع الوزراء والجهات الحكومية بمنع الواسطة منعاً باتاً حتى لا تساهم في التأثير على نتائج الانتخابات القادمة.

- إصلاح النظام الانتخابي إلى نموذج يمهد الطريق للمزيد من العمل الجماعي البرلماني في ظل نظام الدوائر الخمس، سواء بتطبيق الصوتين أو العودة إلى الأربعة، أو الانتقال إلى القوائم النسبية المغلقة.

- تطبيق برنامج حكومي واضح المعالم يضع آليات تنفيذه أمام البرلمان يتمحور حول الإصلاح الانتخابي والسياسي.

سمو الرئيس...

رغم ضعف أداء الحكومات السابقة ورغم تعطل اتخاذ القرارات، ورغم كل شيء في الحقبة السابقة نخاطبك وفي صدورنا التفاؤل والثقة بمرحلة سياسية تجسد التنمية والازدهار، لاسيما بعد الخطاب السامي لسمو الأمير الذي ألقاه نيابة عنه سمو ولي العهد، فأمامك فرصة ذهبية لتساهم في تقدم الكويت للأمام من بعد تكرار ضياع الفرص، فاجعل منجزات الديموقراطية التي رسخها جيل الأجداد نبراساً لك وراجع التبعات السلبية للصراع والتردد، لنخرج من مأزق التأزم وقلة الحيلة وننتقل إلى ساحة الإصلاح والتنمية.

يوسف السيد يعقوب الرفاعي *