في موقف غير مألوف لها وبعيداً عن ابتسامتها الدبلوماسية التي لا تفارقها، لوّحت سفيرة فرنسا لدى البلاد كلير لو فليشر بتدابير وإجراءات صارمة، في مواجهة «الممارسات غير المقبولة» التي يلجأ إليها بعض الأفراد والشركات والجهات الخاصة، للاحتيال على المواطنين، فيما يتعلّق بحجز المواعيد مسبقاً في السفارة الفرنسية بهدف الحصول على تأشيرات السفر، والتي علمت «الجريدة» من مصادر دبلوماسية مطلعة، أن بعض هذه المواعيد تتراوح أسعارها ما بين 130 و200 دينار.

Ad

القائمة السوداء

وأكدت لوفليشر، في مؤتمر صحافي عقدته بمقر السفارة، وحضره رئيس شركة Capago بالكويت (مكتب خدمات التأشيرة الخارجي المسؤول عن اعطاء مواعيد وتسلم الجوازات من الراغبين بالسفر إلى فرنسا، ثم إعادتها إلى المواطنين والمقيمين بعد وضع التأشيرة عليها)، أن «السفارة تأخذ جميع التحذيرات والشائعات على محمل الجد، كما أن هذه الإجراءات قد تواجه بحظر شامل للوسطاء واستبعادهم تماماً من المشاركة في طلب التأشيرة وصولاً إلى إدراجهم على «القائمة السوداء».

واعتبرت أن فرنسا من الوجهات المفضلة للكويتيين خصوصاً خلال فترة الصيف، «وهذا يمنحنا مسؤوليات خاصة للتأكد من رضاهم الشديد عن تجربتهم في السفر إلى بلادي».

وأوضحت السفيرة الفرنسية، أن بلادها لديها سياسة عدم التسامح مطلقاً تجاه ممارسات تسيء استخدام إجراءات التأشيرة العادية، «ونحن على استعداد لاتخاذ أي تدابير ضرورية لمعاقبة مرتكبيها في جميع أنحاء العالم»، مشيرة إلى أن «من بين أولوياتي، ضمان التسليم الفعال للتأشيرات لفئات مختلفة من المسافرين إلى فرنسا، في أقل وقت ممكن مع اتباع إجراءات واضحة».

وذكرت أن «السفارة قامت مع مكتب Capago، بالتحري عن مدى دقة الشائعات حول المواعيد والتأشيرات، ولم يثبت لحسن الحظ أي مخالفات حدثت من السفارة أو من مركز التأشيرات الخاص بها، وتمكنّا من تحديد نقاط الضعف المحتملة في النظام التي قد يستغلها العاملون الخاصون، لا سيما فيما يتعلق بالحصول على مواعيد التأشيرة، بالتالي إيجاد الحلول الممكنة لإزالة أي ثغرات».

وقالت لوفليشر، إن «بعض الشائعات هي في الواقع معلومات واقعية، بينما جزء منها افتراضات وأحياناً خبيثة»، مضيفة «أن أحد العناصر الواقعية التي نحن على دراية كاملة بها بالفعل منذ أسابيع، هو أن الخدمات القنصلية للعديد من السفارات الأوروبية كانت مكتظة بمستويات عالية وبشكل غير عادي من طلبات التأشيرة، والتي تجاوزت قدراتها واستلزم تأخيراً أطول من المعتاد في المواعيد في مركز التأشيرات».

أعداد قياسية

وعن السخط الذي أعرب عنه المسافرون الكويتيون بسبب التأخير الكبير في الحصول على موعد تأشيرة، أفادت بأن السفارة الفرنسية تدرك تماماً هذه الصعوبات، «ونحن نأسف بشدة للإزعاج الذي يعانيه المسافرون، لكن، كما سبق أن ذكرت في عدة مناسبات، أننا اتخذنا جميع التدابير المتاحة للحد من تأثير تلك الصعوبات، ومع ذلك، ونظراً للعدد الكبير من الطلبات، لم نكن في وضع يسمح لنا بإزالتها تماماً وقد يستمر الأمر حتى نهاية هذا الصيف، رغم أننا سبق وطلبنا مراراً وتكراراً من المسافرين أنه يمكن تقديم طلبات التأشيرة قبل أشهر عدة من مواعيد السفر، ومع ذلك، كان الكثير يقدمون الطلب قبل أقل من شهر من تاريخ السفر».

وأشارت إلى أنه «بعد عامين من قيود السفر بسبب جائحة كورونا، كان الطلب على التأشيرات مرتفعاً بشكل استثنائي هذا العام»، مبينة أن «القسم القنصلي حشد طاقاته إلى أقصى حد لمواجهة هذا الوضع إذ ارتفع معدل الطلبات من 200 إلى 300 في اليوم، ومن أبريل إلى يونيو، زاد عدد الطلبات التي تم التعامل معها من 3000 إلى 6000 في الشهر، مما يعني ضمناً جهداً غير عادي ومكثف جداً من وكلاء السفارات المعنيين».

وأوضحت لوفليشر أنه «في 3 أشهر من أبريل إلى يونيو، تمت معالجة 13 ألف طلب، مقارنة بـ 2400 في الفترة نفسها من العام الماضي»، مذكّرة بأن «بعض فئات طالبي التأشيرات معفاة تماماً من حجز موعد ويمكنهم الذهاب مباشرة إلى مركز التأشيرات بدون ذلك، وهم: حاملو جوازات السفر الدبلوماسية، والأفراد العسكريون في مهمة رسمية، والأشخاص الذين يسافرون لأسباب طبية، والطلاب، وأزواج وأطفال المواطنين الفرنسيين، وهؤلاء لا يتوجب عليهم دفع أي خدمات خاصة مقابل رسوم للحصول على موعد».

وكشفت في الوقت نفسه عن «إنشاء نظام لجمع طلبات التأشيرات عبر الأجهزة المحمولة ، لا سيما جمع البيانات البيومترية خارج مركز التأشيرات، وتم إنشاؤه في الأصل للأشخاص ذوي الإعاقة وغير القادرين على الذهاب إلى مركز التأشيرات».

4 إجراءات لتفادي الثغرات والتجاوزات

عن الإجراءات التي قررت السفارة اتخاذها في الوقت الحاضر، حدّدت لوفليشر 4 إجراءات على الشكل التالي: «يجب أن يتم الدفع المسبق للموعد من الآن فصاعداً خلال وقت الحجز إلكترونياً، من أجل التحقق من صحته، بعدما كان هناك تأخير لمدة 48 ساعة متاحة لإجراء الدفع المسبق»، معتبرة أنه «من المحتمل في بعض الحالات أن يكون هذا التأخير قد استخدم بشكل خاطئ».

وتابعت: «ثانياً، لن تؤدي المواعيد الملغاة اعتباراً من الآن إلى فتح فوري وتلقائي لخانات المواعيد الجديدة، إذ يبدو أن الوسطاء قد أساؤوا استخدام هذا من خلال تخصيص بعض الوقت مسبقاً لمواعيد وهمية، ثم إلغائها لإعادة استخدامها على الفور لمسافر قرر في وقت متأخر التقدّم للحصول على طلب تأشيرة، وسيتم إعادة فتح المواعيد، التي تم الغاؤها لاحقاً فقط، في وقت لا يمكن التنبؤ به لإحباط هذه الممارسة المسيئة».

وعن الإجراء الثالث، لفتت لوفليشر إلى أنه «سيتم فتح خانات زمنية جديدة من الآن فصاعداً على مدى 6 أشهر، لتحفيز أكبر عدد ممكن من المسافرين على تقديم طلبات التأشيرة الخاصة بهم في أقرب وقت ممكن، اعتباراً من الآن، تم فتح باب التسجيل حتى نهاية عام 2022».

أما الإجراء الرابع والأخير، أفادت بأنه «في غضون أسابيع قليلة، وحتى لا تتسبب في صعوبات لا داعي لها في طلبات الحصول على التأشيرات التي تتم معالجتها حالياً، سيتم منع الأفراد والشركات والجهات الخاصة (الوسطاء) من الوصول إلى مركز Capago التأشيرات، ما سيعطي الأولوية للمثول الشخصي لمقدمي الطلبات».

مسؤولية وكالات ومناديب

وحمّلت لوفليشر مسؤولية الممارسات غير القانونية أو الفواتير المفرطة للخدمات المرتبطة بالتأشيرات، إلى أفراد أو شركات أو جهات خاصة مثل وكالات السفر والمناديب الذين يستأجرهم المسافرون من دون أي تدخل من السفارة، لذلك، لا يمكن اعتبار السفارة مسؤولة عن حقيقة أن بعض الوسطاء قد يزعمون خطأً، ومن دون علم السفارة، أنهم يستفيدون من قنوات الوصول المميزة من أجل الحصول على موعد تأشيرة، أو قد يدّعون أنهم يعملون رسمياً في السفارة ولدى Capago، وفي الواقع ليس للقسم القنصلي بالسفارة أوCapago أي دور في مثل هذه الممارسات».

وأشارت إلى أن «النظام الإلكتروني لحجز المواعيد موثوق به ومصمّم بشكل صارم لمنع الاحتيال، وقررنا اتخاذ إجراءات للتشديد على بعض طرق حجز المواعيد، لتلافي أي تأثير سلبي ولو حتى ضئيل على طالبي التأشيرة».

وقالت السفيرة الفرنسية: «إذا بدت هذه التدابير لا تزال غير كافية للقضاء على الاحتيال، فيمكن النظر في إجراءات أخرى أكثر صرامة، مثل الحظر الشامل للجوء إلى الوسطاء، أو إلغاء حجز المواعيد الإلكتروني، وسيقوم القسم القنصلي بالسفارة ومزود الخدمة التابع لها Capago حالياً بمراجعة ممارسات الوسطاء، ونتيجة لهذه المراجعة، يمكننا الإعلان عن أسماء الذين يتبين أنهم يلجأون إلى ممارسات غير مقبولة، مثل الفواتير التعسفية أو تزوير المستندات لاستبعادهم تماماً من المشاركة في طلب التأشيرة».

وشددت على أنه «عندما يكون الوسيط أو وكالات ومكاتب السفر من ذوي الأسعار العالية جداً ومفرطة للمواعيد، فسنقوم بإدراج هذه الوكالات في القائمة السوداء، وإذا لزم الأمر، سيتم الإعلان في المؤتمر الصحافي التالي عن أسماء هذه الوكالات، لذلك، أنا أحذّر هؤلاء وأدعوهم للتخلص من أي ممارسات قد تؤدي إلى إدراجهم في القائمة السوداء».

وعلمت «الجريدة» مع مصدر دبلوماسي رفيع المستوى، رفض كشف هويته، أن «مؤتمر لوفليشر، يأتي عقب أيام من اجتماع عُقد في وزارة الخارجية بين نحو 15 سفيراً من الاتحاد الأوروبي، ومساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا، إذ تمت مناقشة ما يتم تداوله من أخبار وشائعات حول مسألة المواعيد»، مضيفاً: «وبما أننا في قارب واحد، قررنا اتخاذ كل الإجراءات من أجل مصلحة الجميع»، متمنياً في الوقت نفسه «أن نشهد قريباً إعفاء الكويتيين من تأشيرة «شينغن»، حتى نتجنّب أي أمور مماثلة في المستقبل».

ربيع كلاس