أعاد اكتشاف مقبرة أثرية في مصر قبل أيام، فتح ملف سرقة الآثار الفرعونية، وظهور آلاف القطع التي لا تقدَّر بثمن في صالات المزادات الأوروبية وعلى أرصفة الشوارع في القارة العجوز، لكن الأكثر صدمة من ذلك هو ما صرَّح به لـ «الجريدة» الباحث المتخصص في علم المصريات، بسّام الشمّاع، بتأكيده أن آثار مصر القدشيمة بدأت تتعرض للنهب منذ زمن الفراعنة أنفسهم!

Ad

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، قبل أيام، اكتشاف مقبرة لقائد عسكري في منطقة أبوصير الأثرية بمحافظة الجيزة- جنوبي القاهرة. وقالت إن بعثة تنقيب تابعة للمعهد التشيكي لعلم المصريات اكتشفت المقبرة، التي يعود تاريخها إلى أواخر الأسرة الـ26 وأوائل الأسرة الـ27 في مصر القديمة.

وذكرت الوزارة، في بيان لها، أن المقبرة لشخص يُدعى «واح-إيب-رع مري نيت»، وكان يشغل وظيفة «قائد الجنود الأجانب»، ما يشير إلى «أول عصور العولمة الحقيقية في العالم القديم».

من جانبه، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مصطفى وزيري، إن «البئر الرئيسية للمقبرة يبلغ عمقها ستة أمتار، وتنقسم إلى عدة أجزاء تفصل بينها جسور منحوتة في الصخر الطبيعي للمنطقة، وفي منتصف هذه البئر جرى حفر بئر أخرى أصغر حجماً لكنها أعمق، استُخدِمت كبئر أساسية لدفن صاحب المقبرة».

وتابع: «تصميم هذه المقبرة البئرية ليس له مثيل متطابق في مصر القديمة، لكن رغم ذلك يتشابه تصميمها المعماري جزئياً مع مقبرة ودجا حور رسنت المنقورة في الصخر، والتي تقع قُرب المقبرة المكتشفة حديثا، كما تشبه مقبرة كامبل الموجودة في الجيزة».

سرقة قديمة!

لكن تصريحات موازية لرئيس البعثة التشيكية، مارسلاف بارتا، ألقت الضوء على قضية يتجدد الحديث فيها باستمرار منذ سنوات طويلة، وهي سرقة الآثار المصرية القديمة، حيث قال: «إن الدراسات المبدئية التي أُجرِيت على المقبرة كشفت تعرضها للسرقة في أواخر العصور القديمة».

وأضاف: «اللصوص صنعوا فتحة في الجزء الغربي من التابوت الخارجي لصاحب المقبرة، كما حطموا الجزء العلوي من غطاء التابوت البازلتي الذي يمثل وجه المتوفى، ورغم تعرض المقبرة للسرقة عثرت البعثة على العديد من اللقى الأثرية السليمة التي كانت جزءا من المتاع الجنائزي للمتوفى ضم 402 تمثال أوشابتي مصنوع من الفاينس، إضافة إلى إناءين كانوبيين مصنوعين من الألباستر، ونموذج من الفاينس لمائدة قرابين، وعشرة أكواب رمزية وأوستراكا من الحجر الجيري منقوش عليها نصوص دينية هيراطيقية مكتوبة بالحبر الأسود».

بواكير السرقة

وما إن جرى تداول هذا التصريح إعلاميا، حتى عبَّر البعض عن اندهاشه من أن تكون الآثار الفرعونية قد تعرضت مبكرا لسرقات في زمن المصريين القدماء أنفسهم، لكن تلك هي الحقيقة التي لا يعلمها كثيرون، إذ قال الباحث في علم المصريات، بسام الشماع، في تصريحات لـ «الجريدة»، إن سرقة الآثار المصرية بدأت في مصر القديمة.

وأضاف: «لدينا تاريخ طويل يمتد لعصور مصر الفرعونية في سرقة الآثار. النفس البشرية منها الضعيف والقوي، ومنها الصالح والطالح»، لكنه في الوقت ذاته أوضح أن «مصر القديمة تعاملت مع سرقة المقابر بالقبض على اللصوص الذين كانوا يسطون عليها، وتم سن قانون في مصر القديمة، وكان قاسيا جدا لمواجهة جرائم اقتحام المقابر وسرقة محتوياتها، وهناك بردية شهيرة عمرها ثلاثة آلاف عام تؤكد أن قدماء المصريين كانوا يتعرضون لسرقة مقتنيات مقابرهم وما تحويه من كنوز، وهذه البردية تحتوي على أسماء السارقين، ومن بينهم أجانب».

مافيا تهريب الآثار

وأوضح الشمّاع أن القطع الأثرية يتم الاستيلاء عليها حاليا انطلاقا من فكرة «التملك»، من أشخاص أثرياء، إضافة إلى وجود مافيا لتهريب الآثار إلى صالات المزادات العالمية، وهناك يجري بيعها بأثمان زهيدة، لافتا إلى أن صالة مزاد كريستيز في لندن تبيع قطعا أثرية مصرية بشكل علني وبأسعار مثيرة للريبة، كأن يجري بيع قطعة آثار تعود إلى قبل التاريخ، قبل توحيد قُطري مصر (الشمالي والجنوب) عمرها نحو 3200 سنة بمبلغ ألفي أو ثلاثة آلاف دولار.

وأضاف: «يجب أن يكون هناك تكاتف تشريعي دولي لمواجهة حالات تهريب الآثار المصرية القديمة، وتقنين عالمي لملف الآثار وبيعها، وعولمة هذه القضية، وتصديرها للعالم، والتأكيد على خطورة بيع التاريخ المصري».

● أحمد الجمَّال