بمشاعر فياضة بالجمال، حازت الشاعرة الفلسطينية آلاء القطراوي مكانة كبيرة في قلوب قرائها ومتابعيها، حيث تجمع قصيدتها بين الهم الوطني والإنساني على أرض فلسطين، لتعيد لنا الأجواء الشعرية المهيبة للكبار: محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما، ولفتت الأنظار إليها بشدة مع ظهورها في مسابقة أمير الشعراء منذ أكثر من 5 سنوات، وأكدت موهبتها بفوزها بجائزة البابطين للإبداع الشعري العام الحالي.

Ad

وفي حوارها مع «الجريدة» من القاهرة، قالت القطراوي: «جائزة البابطين جعلتني أكثر ثقة بمشروعي الأدبي، وأضفت على مسيرتي جمالاً، خصوصا أنني مازلت في مقتبل العمر»، مضيفة: «أعمالي تتمازج فيها كل التناقضات والتجارب الإنسانية، من ألم وأمل، وانكسار وجموح، وحزن وشقاء، فأنا ابنة مدينة غزة المحاصرة دائما»... وإلى نص الحوار:

• ما الذي شكل تجربتك الشاعرية منذ البداية؟

- الوجع المقرون بالثبات، هذا الشعور الذي شكّل تجربتي منذ البداية، وأنا ابنةُ فلسطين الممتدة في التاريخ، وهي التي تحمل إنسانيتها، وتطالب بالحريّة منذ أكثر من سبعينَ عاماً، بالتأكيد هذا الأمر أسهم في تشكيل تجربتي الشعرية بشكل خصب، وأنا أعيش تحت نيران الاحتلال وغطرسته، وأنا أرى أمهات الشهداء يودعن أبناءهن بالزغاريد، هذه الزغرودة التي تمثّل رمز الفرح، حين تقترن بلحظة الوداع، تعلّمنا كثيراً وتجعلنا أكثر انتماءً وصبراً وعظمة .

• فزت بجائزة البابطين للإبداع الشعري، فئة الشباب، عن ديوانك «ساقية تحاول الغناء» كيف تلقيت خبر الفوز؟ وما رؤيتك له؟

- بفرح غامر بالتأكيد، لكوني أشقّ بهذا الفوز عُباب القصيدة العربية وبالأخصّ الفلسطينية، وجائزة بهذا القدر وهذه القيمة تعطيني ثقة وتضفي على مسيرتي جمالاً، خصوصا أننّي مازلت في مقتبل العمر، وهذه الجائزة تجعلني أكثر ثقة بمشروعي الأدبي وأكثر تمسكاً به، وتلفت انتباهي إلى الاعتناء بقصيدتي، وتطوير نفسي أكثر، وأن أسخّر قلمي في سبيل قضايانا الإنسانية الكبيرة.

رسول قلبي

• حدثينا عن أجواء ديوانك «ساقية تحاول الغناء»؟

- مجموعتي الشعرية «ساقية تحاول الغناء»، صدرت عن أكاديمية أبوظبي للشعر عام 2021، وكان انتمائي لهذه الأكاديمية الجميلة بعد مشاركتي في مسابقة أمير الشعراء الموسم السابع، ووصولي للنهائيات، لاسيما انها منحتني الكثير من الامتداد عبر محيطنا العربي خصّوصا أنني قادمة من مدينة محاصرة وهي غزّة، فقد سمح لي البرنامج بالانفتاح على الثقافات والحضارات والأخرى، ثم كان هذا الديوان رسول قلبي للعالم، إذ تتمازج به كل التناقضات والتجارب الإنسانية، وتمتزج فيه الحواديت السريّة في القلب، والصباحات المفعمة للحياة، البوح الرقيق والصمت الخفيّ، التصوّف والحب الإلهي، التمرّد والخشوع، تلك الساقية التي تحاول الغناء، هي فعلياً تحاول الأمل، تحاول الحياة، تحاول الاستمرار في الإمداد والعطاء رغم كل شيء.

• القارئ لأعمالك الإبداعية يلاحظ اصطباغها بالصبغة الإنسانية والوطنية، هل يعود ذلك إلى تجليات الواقع الفلسطيني أم يتجاوزه إلى صورة أوسع وأعمق للحياة؟

- نعم لأنها تنحدر من إنسانيتنا العالية، ووطنيتنا العظيمة، فصنعت هذه الصبغة المختلفة، وهذه التوليفة الجمالية من الإحساس والمعنى والكلمات، لكنني لا أتوقف عند الوطن في نصوصي، إنني أتجاوزها لأفتح نوافذ الليل على قلبي، وأسمع مسامراته العذبة، ولأجرب أن أتسلل مع الموسيقى عبر النوافذ، فأرى ذلك الشرود الإنسانيّ الغارق في الرقة، وأترجم ما تقوله عيون العشاق، ومراسيلهم الخفيّة، أقرأ ما يُكتب على جدران الوطن، وهم يهربون بين الكلمات الوطنية كلمات حب صادقة لمن يحبون، نعم إنني أعيش كل التفاصيل، إذ لا يشكل الوطن حاجزاً بيننا وبين مشاعرنا الإنسانية العادية، بل يكون جسراً للعبور إليها.

• مَن أبرز الشعراء الذين أثروا وجدانك؟

- محمود درويش، أمل دنقل، سميح القاسم، مريد البرغوثي، ولكلٍّ منهم حكاية مع قلبي ولغتي ولا وعيي ووعيي.

• من خلال ديوانك «حين يرتجف الهواء» الصادرعن رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وكتاب «من المسافة صفر»، ما أهم الرسائل التي أردت توصيلها للقارئ؟

- «حين يرتجف الهواء»، هو ديوان شعر أصدرته قبل عشر سنوات من الآن، كان يُعنى بالتجارب الإنسانية والوطنية ، أما كتاب «من المسافة صفر» رسائل تحت الحرب، هو عبارة عن مذكرات يومية كتبتها برفقة صديقتي رنا العلي، عبر حرب 2014، يوماً بيوم، وهي رسائل معبقة بالألم والإرادة والثبات.

• كدارسة للنقد، كيف ترين النصوص الأدبية المعاصرة، خصوصا في الشعر والقصة القصيرة؟

- النصوص تتبع أكثر من منحى، إذ تؤثر على طبيعة تشكيل النص الأدبي، السياسة والاقتصاد والثورة والحرب والسلام، كلّ هذه النزعات تؤثر على الشكل الخارجي والمضمون الفنّي للنص، وأجد أن النصوص تحاول الامتزاج بكل هذه الحالات الكونية الصاخبة، ومهما اجتهد النص الحديث فإن الواقع يتفوق بصخبه، إلا أن النصوص الحديثة تحاول رصد هذه الحالة الشعرية العالية جداً، وتتفاوت النصوص في مدى نجاحها في الاحتواء والامتزاج.

جغرافية وطن

• الشاعر ليس ببعيد عن قضايا أمته، أمازلتِ تراهنين على الشعر للإجابة عن أسئلتك لرسم جغرافية وطن؟

- نعم أراهن على الكلمة كثيراً، لأنّ الكلمة ليست مجرد حروفٍ فحسب، وأؤمن بما قاله غسان كنفاني (تسقط الأجساد... لا الفكرة)، والفكرة هي كلمات، والكلمات لها امتدادها في الذاكرة والتاريخ والروح، تستطيع أن يلهمنا الشعر الكثير، مازالت قصيدة سميح القاسم تعيش في ذاكرتنا وهو يقول للاحتلال:

(تقدموا تقدموا

كل سماءٍ فوقكم جهنمُ

كلّ أرضٍ تحتكم جنهمُ)

لقد كان سميح القاسم يرسم خريطة فلسطين، لا مكان للمحتل في أرضنا ولا جوّنا، ومازلنا نقود هذه المقاومة الشعرية للأبد.

الحركة النقدية

• وماذا عن الحركة النقدية؟ وهل واكبت مسيرة الشعر؟

- بصراحة الحركة الإبداعية حركة عالية رائعة، رغم الإرهاصات السياسية المرهقة، فإنّ الشاعر والكاتب الفلسطيني يستطيع أن يفسح له مكاناً رئيسياً في الساحة الإبداعية العربية، ولدينا حركة نقدية مميزة، فالنقاد الفلسطينيون من أجمل النقاد في الساحة العربية، كيف لا وهم خلفاء إحسان عباس، الناقد العظيم.

• كيف ترين المشهد الثقافي العربي بشكل عام؟

- المشهد الثقافي العربي بخير، لكنّه يحتاج إلى دعم حكومي دولي عربي دائم، يحتاج المثقفون والأدباء تشجيعاً ودعماً، يحتاجون بنية ثابتة يستندون عليها، يحتاجون مراكز ومؤسسات تهتم بهم بشكل مباشر، وإنّ المسابقات الدولية مثل مسابقة عبد العزيز البابطين هي وتد مهم في ترسيخ الشعر العربي ونقده.

• ما الإشكاليات التي تقف عقبة في إحداث نهضة ثقافية عربية؟

- الانشغال بكلّ ما هو دون الأدب والثقافة، عدم إعطاء الأديب العربي مكانته الحقيقية، تراجع حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى ومن اللغات الأخرى إلى العربية، وهذا أمر جداً مهم في إحداث نهضة ثقافية عربية، وأيضاً تقديم التراث العربي بصبغة حداثية، ومواكبة حركة النقد الحديث، وتطوير مفاهيم النقد وتقاناته.

قضية محورية

• وهل لا تزال القضية الفلسطينية محوريّة لدى المثقف العربي؟

- القضية الفلسطينية هي قضية محورية في قلب كل مثقف عربي حرّ، لا يمكن لمكانتها أن تتأثر بالسياسة، مهما خفتت مكانتها عربياً، تظلّ ساطعة في قلب كل حرّ، لا تخفت أبداً، فالدم العربيّ يعرف وجهة فلسطين جيداً، والقلم العربي الصادق يعتني بحكايتنا الصادقة، بدمعتنا الأبدية، بحقنا المسلوب، بوطننا المذبوح، بروحنا المتعبة، بحلمنا بالعودة .

• ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟

- أن أعمل في مجال البحوث الأكاديمية بمجال النقد الأدبي، وقد أطوّر مشروعي الخاص في إلقاء القصائد، فأنا أحبّ جدّاً الإلقاء، وأعتقد أن لصوتي طاقات جميلة فيه، ولدي الكثير من الأحلام الخاصّة في مجالات التصوف والتأمل وتفسير القرآن، وليس فقط الشعر والقصة القصيرة.

●محمد الصادق