«شب عمرو عن الطوق»، مثل عربي قديم لا يزال متداولاً، وهو يُعَّبَر عن بلوغ أحدهم مرحلة النضج، وأن المعني بالمثل قد صار رجلاً يعتمد عليه، ولم يعد ذلك الفتى المدلل الذي يُلبّس طوقاً في رقبته، ووراء هذا المثل حكاية.

كان للملك جذيمة الأبرش، أحد ملوك العراق، ابن أخت مقرب إليه هو عمرو بن عدي والذي سيصبح ملكاً هو الآخر، وهما نفس الشخصيتين اللتين كان لهما ثأر مع الملكة الزباء والتي «لأمر ما جدع قصير أنفه» بشأنها، وحدث معها ما حدث.

Ad

كان عمرو ذو الثماني سنوات كثيراً ما يخرج مع الخدم من أجل إحضار بعض النباتات والتنزه، ولكنه في أحد الأيام خرج ولم يعد، فانزعج الملك لذلك وبدأ يبحث عنه لأيام ولكن بلا جدوى، فحزن جذيمة حزنا عظيما لفقده ابن اخته.

وحصل بعد ذلك بسنوات أن كانت هناك قافلة محملة بالهدايا والتحف متوجهة للملك جذيمة، فعثر أصحابها في طريقهم على ولد تائه، وعلموا منه أنه قريب للملك جذيمة، وأنه قد ضل طريقه كل تلك المدة الطويلة، فأخذوه معهم إلى خاله، وما إن رآه الملك حتى عرفه.

فرح جذيمة أيما فرح لعودة ابن اخته إليه، وبعد أن استفسر منه عن سبب غيابه الطويل، وبعد أن اطمأن عليه، أرسله إلى أمه حتى تعتني به، وبلباسه.

سارعت الأم إلى العناية بولدها، وإلباسه أفخر الثياب، ثم وضعت حول رقبته طوقاً كان الملك قد ألبسه إياه عندما كان صبيا، ثم أرسلته إلى خاله الملك، فلما رأى الطوق حول رقبة عمرو الشاب اليافع، الذي كبر وشب، ولم يعد ذلك الطفل المدلل، ولم يعد ذلك الطوق يليق به كرجل، قال قولته المشهورة: «شب عمرو عن الطوق»، فذهب ما قاله مثلاً.

فالزمن والتجارب بحلوهما ومرّهما هما اللذان يشكلان الشخصية البشرية ويغيرانها، ويغيران حتى الأمم والشعوب، فالأمم الحية المتعلمة الحرة عندما تشب عن الطوق ستطالب بالتنمية، وتضع المسؤول المناسب في المكان المناسب، وهي التي ستطالب بوقف هدر الأموال، ومحاربة الفساد، وعقاب المفسدين، واسترجاع ما نهبوه.

ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.

طلال عبد الكريم العرب