نبارك لبعض أبنائنا الطلبة حصولهم على الامتياز غير المسبوق، لا محلياً ولا عالمياً، والذي وصل بل وكاد يزيد على نسبة الـ 100% المستحيلة، متمنياً أن يكون تفوقهم المبهر في النسب نتيجة حقيقية لدراستهم وجهدهم ومثابرتهم.

نعم هذه السنة هي تتويج ممنهج ورسمي لرسوب كبير، إنها انتكاسة أخلاقية تعليمية جديدة وممنهجة، وكأن هناك مؤامرة متعمدة لتجهيل الكويتيين، وإقناعهم بأن ما حصلوا عليه من نجاح مبهر ونسب مرتفعة ما هو إلا نتاج تحصيلهم العلمي الحقيقي، فالنتائج المعلنة للنجاحات والنسب المرتفعة خلال أزمة «كورونا» لا يستوعبها العقل ولا المنطق، ولا تقبلها المهنية التعليمية.

Ad

فأعداد الناجحين غير طبيعية، والنسب المرتفعة كثيرة العدد ولا تستقيم وحقيقة الوضع التعليمي في الكويت، لأن هناك عدة تقارير أكاديمية رسمية مخيفة عن نتائج دراسات قام بها متخصصون تعليميون نشرت مؤخرا أثبتت أن مخرجات التعليم في الكويت وصلت إلى الحضيض، وأن مخرجاته فاشلة علماً وتعليماً، بل إن مخرجاتها هي الأقرب حرفياً إلى الأمية.

فهناك 20 من الجمعيات الكويتية أعربت عن أسفها لما اكتشفته من تدنٍّ في مستوى الطلاب التعليمي بالبلاد، بعد أن كشفت نتائج دراسة «ميزة» التجريبية التي أجريت في ديسمبر 2021 على 267 مدرسة في التعليم العام والخاص، عن تردي المستوى التعليمي في الكويت، وخصوصا في المواد الأساسية وهي اللغة العربية والرياضيات والعلوم، تلك الجمعيات حذّرت من كارثة وطنية تعوق خطط تنمية رأس المال البشري الكويتي، والذي هو المرتكز الأساسي لخطط الدولة الاقتصادية والاجتماعية.

أما «الشال» فذكر في تقريره أن أزمة التعليم في الكويت سببه عدم أهمية التعليم في نظر الإدارة العامة، وليس لشح الإنفاق عليه، فتكلفة تعليم الطالب الكويتي هي الأعلى في العالم، ولكن رغم تضاعف أجهزة رقابته فإن مؤشرات مدركاته زادت سوءا، ولا معنى لأي مشروع تنموي ما لم يرتقِ بمستوى جودة تعليم الإنسان الذي هو هدفها ووسيلتها.

فالشهادات المضروبة انتشرت بين حملة الثانوية وحتى الدكتوراه كالنار في الهشيم، وضررها لم يقتصر على امتيازات حامليها المالية، فحاملوها وصلوا إلى أعلى مراكز سلطة اتخاذ القرار، وتولى بعضهم مهام التدريس، وكانت نتيجته تَخلُّف التعليم العام والعالي وفق المؤشرات المذكورة.

ما حصل ويحصل يعتبر رسوباً وانتكاسة تعليمية للكويت، ودلالة على التردي في كل شيء، وهو انعكاس لما يمر به البلد من فساد وسوء إدارة وترهل وعدم اهتمام بالكويت حاضراً ومستقبلاً، فما جدوى بلد مخرجاته التعليمية لا تتماشى مع احتياجاته، وهي فعلا أسوأ مخرجات، بعد أن ترك المهم إلى القشور، وضاع وقت ومصير شعبه في صراع على مقاعد الأمة والبلدي، والجمعيات التعاونية والأندية الرياضية، واتحادات بكل أشكالها بما فيها الطلبة، فكان شغلها الشاغل الطائفية والقبلية والحزبية والمصالح الشخصية، وليس الكويت.

وإثباتا وتتويجاً لكل ما سبق، فقد ذكر أخونا الناشط النشيط أنور الرشيد: بأنه قام بعمل لم يقم به أحد غيره، فقد أعاد تقديم امتحان الثانوية العامة التي حصل عليها سنة 76/77، تحت رقم جلوس 12708، وكان اكتشافه كارثياً، فقد نجح بمعدل تراكمي 62.75% رغم تعمده عدم الإجابة عن أسئلة ثلاث مواد، أخونا أنور مستغرب، ونحن مستغربون معاه، فكيف نجح؟! بل كيف حصل البعض على نسب الـ 100 في المئة؟!

ولكن، ورغم كل هذه الانتكاسة التعليمية، فلا تزال وزارة التربية تهدر سنوياً عشرات الملايين من أموال البلد على ما يحلو لها أن تسميه بـ «أعمال ممتازة»، «أعمال ممتازة» على ماذا؟! وهل تدمير مخرجات التعليم أعمال ممتازة؟!

وبما أن الفأس التعليمية قد وقعت فعلاً في الرأس، فإننا نقترح إجراء اختبارات قدرات لكل المتقدمين للجامعات والمعاهد، بل حتى للمنتقلين من مرحلة تعليمية إلى ما يليها، ونحن متأكدون أن النتيجة لن تكون مفاجئة، وأولهم لبعض ممن حصلوا على تلك النسب الهزلية.

طلال عبد الكريم العرب