جاء خطاب سمو ولي العهد كصدمة كهربائية لجسد مسجى على قارعة الطريق، فأحيا فيه شيئاً من الأمل، أو ربما بقايا أمل.

فهل يصلح الخطاب ما أفسدته السنون؟ وإلى أين من هنا؟

Ad

فالنصوص الدستورية، مهما كانت متماسكة، غير قادرة على انتشال البلاد من هوتها السحيقة، ما لم يتبعها توافق واع، وإرادة سياسية بين الأطراف المعنية، وبالذات الطرف الأقوى، الحكومة أو السلطة، فتجربتنا مع الدستور وتطبيقه على الأرض، كانت مخيبة للآمال في حدها الأدنى، ومأساة تمشي على قدمين في حدها الأعلى.

إلا أن ميزة الخطاب لا تكمن في إعلان التزامه بالدستور، ولكنها تكمن في أنه أكثر واقعية، ملقياً اللوم على السلطتين، محدداً خطوات قابلة للتنفيذ.

فمنذ أن بدأت الانتخابات قبل 60 عاماً، والحكومة تتدخل فيها، بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن الصعب تخيل انتخابات دون تدخل حكومي، أو عدم التصويت لرئاسة مجلس الأمة أو للجان البرلمانية، ويكمن تميزها في أنها خطوات إجرائية، قابلة للقياس. وإن كان اللوم والعبء يقع على الحكومة، بحكم أنها الأقوى في المعادلة السياسية، فإنه لابد على «المعارضين» أن يتعلموا من دروس الماضي، فهم ليسوا إلا أفراداً، يغيرون من مواقفهم متى شاؤوا، والعديد منهم مواقفهم ضد الحريات واضحة. اتضح ذلك مثلاً عندما صدر قانون إعدام المسيء بما عرف بـ «مجلس الأغلبية»، في فبراير 2012 ، حين تم التواطؤ مع الحكومة، معلنين انتصاراً تاريخياً. إلا أن صاحب السمو الأمير رده حينها لمخالفته للدستور، ولو كان ذلك القانون المعيب، المخالف للدستور، مازال قائماً لأصبح المحبوسون بقضايا رأي مهددين بالإعدام. ربما صار على أولئك الذين شاركوا ودعموا ذلك القانون وغيره، أن يتعهدوا للناس بأنهم لن ينتهكوا الدستور وسيحافظوا عليه.

غاب المجلس عن الحياة السياسية (بشكل مباشر وغير مباشر) أكثر من 15 سنة. وعلى الرغم من ذلك الغياب لم تستطع الحكومة تحسين أدائها، بل صار أسوأ في غياب المجلس، لدرجة أنه لم يعد بإمكانها إلقاء اللوم على المجلس كسبب للتردي السياسي.

لم يبق إلا الاعتراف بفشل الجميع، كل بقدر سلطته، وأن نعلن مسعانا لتطوير التجربة مستفيدين من الدروس، حكومة وسلطة، ونواباً وكتلاً سياسية، وإلا فإننا لا طبنا ولا غدا الشر.

خطاب سمو ولي العهد علق الجرس، وحدد خطوات تنفيذية، وصار لزاماً على القادمين للمجلس أن يتواضعوا بعض الشيء، ويدركوا أن بناء الحصافة السياسية، يحتاج إلى تدرج وتركيز، ووحدة هدف، بدرجة أكبر على الحكومة، دون إعفاء النواب.

* أ. د. غانم النجار