نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، أمس، تحليلاً يشير إلى أن تداعيات الحرب في أوكرانيا قد تقود على المدى البعيد إلى «تفكك روسيا».

ويرى محرر الصحيفة للشؤون الأوروبية توني باربر، الذي أعدّ التحليل، أن «الحديث عن تفكك روسيا في وقت يبدو رئيسها فلاديمير بوتين عازماً على التوسع من خلال ضم أجزاء من أوكرانيا قد يبدو غريباً، لكن أصواتاً مختلفة من داخل روسيا ومن الغرب ما فتئت تتحدث عن احتمال تفكك البلد بسبب تداعيات الحرب».

Ad

ويورد المقال التحليلي رأي المفكر الروسي البارز والخبير بالسياسة الخارجية سيرغي كاراغانوف، الذي قال في رده على سؤال صحافي عما إذا كانت الحرب الطويلة في أوكرانيا قد تؤدي إلى تفكك روسيا: «نحن نعلم أنه احتمال ممكن. ونعلم أيضاً أنه للمرة الأولى منذ الحرب الباردة هناك بعض القوى الغربية التي تسعى صراحة إلى تقسيم روسيا».

ووفقاً للكاتب، فإن «الغرب لا يعتبر نفسه في حرب مع روسيا، لكن موسكو تخوض صراعاً وجودياً مع الغرب، ويجب أن تخرج منه منتصرة».

يشار إلى أن كاراغانوف ليس بوقاً من أبواق الكرملين، لكن وجهة نظره تعكس العقلية المعادية للغرب المتفشية على نطاق واسع في الأوساط الروسية، مما يشير إلى احتمالات قاتمة بشأن التوصل إلى تسوية مبكرة للحرب في أوكرانيا.

وأبرز مقال «فايننشال تايمز»، أن الحديث عن الموضوع لم يقتصر على المحللين السياسيين الروس، فقد تناولته عدة صحف ومجلات أميركية، وظهرت عدة مقالات تتحدث عن احتمال تفكك روسيا أو إعادة تنظيم البلاد جذريًا في مجلتي «ناشيونال إنترست» و»أتلانتيك».

وأشار الكاتب إلى أن أحد المقالات المذكورة نقل ما ورد في مذكرات مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA السابق روبرت غيتس التي ورد فيها أنه أثناء انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، أراد وزير الدفاع الأميركي آنذاك ديك تشيني «أن يرى تفكيك، ليس فقط الاتحاد السوفياتي وإنما تفكيك روسيا نفسها حتى لا تشكل تهديداً لبقية العالم مرة أخرى».

وينقل كاراغانوف عن الباحث جانوسز بوغاغسكي من مؤسسة «جيمستاون» المختصة في الشؤون الروسية والصينية قوله، إن «تفكك روسيا قد يؤدي إلى نشوب صراعات عرقية وإقليمية، لكنه قد يعزز أيضاً فرص إنشاء عدة دول قابلة للحياة تتمتع باستقرار سياسي في الأورال وسيبيريا».

وأشار إلى أن الروائي الروسي، فلاديمير سوروكين، ألف عام 2013 رواية بعنوان «تيلوريا» يتنبأ فيها بتفكك بلاده كما تخيل فيها تفكك أوروبا والصين، متسائلاً عن مصير الترسانة النووية الروسية في حال تفكك البلد.

مواصلة المعارك

إلى ذلك، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بمواصلة هجومها في شرق أوكرانيا بعد السيطرة على كل منطقة لوغانسك. وقال خلال لقاء مع وزير دفاعه سيرغي شويغو بثه التلفزيون، أمس، إن القوات الروسية «يجب أن تنفذ مهمتها وفقاً للخطط التي تمت الموافقة عليها».

من ناحية أخرى، وافق بوتين على اقتراح وزير دفاعه سيرغي شويغو، بمنح كل من الجنرالين ألكسندر لابين، وأسد الدين أباتشيف، لقب «بطل روسيا».

والجنرال لابين هو قائد المنطقة العسكرية المركزية، ومنذ عام 2022 تولى قيادة مجموعة الوسط للقوات الروسية في أوكرانيا، في حين أن الجنرال أباتشيف هو قائد فيلق الجيش الثاني للقوات المسلحة في لوغانسك، وحاصل على لقب «بطل جمهورية لوغانسك 2022».

إلى ذلك، توقعت الاستخبارات البريطانية أن تحوّل القوات الروسية تركيزها للسيطرة على مقاطعة دونيتسك شرق أوكرانيا بعد سقوط مدينة ليسيتشانسك الاستراتيجية، وبعدما استولت بالكامل على مقاطعة لوغانسك.

وقالت وزارة الدفاع البريطانية، أمس، إن من شبه المؤكد الآن قيام روسيا بتحويل تركيزها للسيطرة على دونيتسك، وهي تشكل مع لوغانسك إقليم دونباس الذي تسعى القوات الروسية لبسط سيطرتها عليه.

وأشارت إلى أن جزءاً كبيراً من دونيتسك ما زال تحت سيطرة القوات الأوكرانية، موضحة أن المعارك في دونباس لا تزال طاحنة، ومن المستبعد جداً تغير هذا الواقع بالأسابيع المقبلة.

فنلندا​ و​السويد

على صعيد متصل، صرح رئيس ​مجلس الدوما الروسي​ ​فياتشيسلاف فولودين​، بأن نشر قواعد حلف شمال الأطسي «الناتو» على أراضي ​فنلندا​ و​السويد​، مع انضمام الدولتين الى الحلف، « لن يحمي هاتين الدولتين، بل على العكس سيعرضهما للخطر». وأوضح أنه «في حالة اندلاع أعمال عسكرية، يتم توجيه الضربات بشكل أساسي إلى البنية التحتية العسكرية للعدو».

في الاثناء، اجتمعت القوى الغربية في لوغانو بسويسرا لصياغة خطة لإعادة الإعمار ومحاولة لرسم معالم إعادة البناء في أوكرانيا مستقبلاً.

ووصل رئيس الوزراء الأوكراني، دنيس شميغال، ورئيس البرلمان رسلان ستيفانشوك، إلى لوغانو، والتقيا خصوصا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، لإرساء أسس «خطة مارشال» لأوكرانيا مع أن نهاية الحرب غير مرتقبة سريعاً والتقديرات تراوح بين عشرات إلى مئات مليارات الدولار.

وعرضت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، أمس، في لوغانو خطة واسعة لإعادة البناء في أوكرانيا، حيث تدعم المملكة المتحدة، أوكرانيا «على المدى الطويل».

وفي كلمته أمام المؤتمر، توقّع رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميغال، أن تصل كلفة إعادة إعمار بلاده إلى 750 مليار دولار، مشددا على ضرورة استخدام الأصول الروسية المجمدة المصادَرة، والتي «تتراوح قيمتها من 300 إلى 500 مليار دولار»، لدفع كلفة تعافي البلاد.