أعلن ديوان الخدمة المدنية قائمة التخصصات التي تحتاجها الدولة، وعددها 26 معظمها في القطاع الصحي والبقية موزعة ما بين وزارة التربية كتخصص اللغة الإنكليزية والرياضيات والعلوم الأساسية والبعض الآخر على وزارات الدولة كتخصصات علوم الحاسوب والتقنيات وبعض فروع الهندسة، وفي المقابل وضع قائمة من التخصصات التي لم يعد بإمكان سوق العمل الحكومي توظيف الخريجين عليها كالإعلام والهندسة والعلوم السياسية، والفلسفة، والتاريخ، وغيرها.

هناك مجموعة من المشاكل التي أدت إلى اختلال سوق العمل والتركيبة الوظيفية في دولة الكويت:

Ad

المشكلة الأولى: سوق العمل الكويتي قطاع خدمي لا يعتمد على الإنتاجية ويفتقد الهوية الاقتصادية، إذا ما استثنينا القطاع النفطي الذي سيطرت عليه الشركات الخاصة بما يسمى عقود الباطن، أما بقية القطاعات سواء الصناعية أو التجارية أو الزراعية أو الحيوانية فإن مشاركتها مجتمعة لا تشكل سوق عمل وظيفيا جاذبا للخريج الكويتي.

المشكلة الثانية: سوق العمل الكويتي محدود وسريع التشبع، ناهيك عن عزوف معظم الشباب عن العمل في الوظائف التي تتطلب جهدا بدنيا أو في الأعمال المتدنية المستوى والتي يسيطر عليها العامل الأجنبي.

المشكلة الثالثة: القطاع الحكومي ومنذ سنوات يعاني التكدس الوظيفي في الكثير من التخصصات، وفي المقابل هناك نقص في الوظائف الفنية، مما يدل على سوء التخطيط الحكومي وقصر نظر المؤسسات التعليمية مجتمعة، وهنا لا أستثني أي جهة، لكونها فشلت في قراءة متطلبات سوق العمل، وجعلت همها الوحيد حل مشكلة القبول لخريجي الثانوية المتزايدة، حيث لجأت إلى حلول ترقيعية بدلًا من البحث عن تخصصات جديدة تواكب متطلبات سوق العمل وتخلق فرصاً وظيفية حقيقية لأبنائنا الطلبة.

المشكلة الرابعة: إنشاء الكثير من الجامعات الخاصة التي يفترض أن يقوم عملها على التخصصات التي لا تقدمها الهيئة العامة للتعليم التطبيقي وجامعة الكويت بدلا من مزاحمتها على التخصصات ذاتها.

المشكلة الخامسة: صنعتها الحكومة بسبب التسهيلات الكبيرة التي تقدمها للقطاع الخاص من خلال دعم العمالة الوطنية دون وضع حد أدنى للأجور التي يتقاضاها الموظف الكويتي عند تعيينه في القطاع الخاص، والذي يفضل ويلجأ إلى العمالة الأجنبية لأنها الأرخص أو لثقته بكفاءة الأجنبي على حساب المواطن، وهنا الأرقام تتحدث عن نفسها، فترتيب القوى الوطنية العاملة في القطاعين العام والخاص جاء في المرتبة الثالثة بعد العمالة الهندية والمصرية.

قلنا في السابق ونكررها الآن لسنا ضد وجود العامل الأجنبي، فهو ما زال وسيظل مطلوباً في القطاع الإنشائي وفي بعض المهن الحرفية والخدماتية، لكن وفي الكثير من القطاعات يمكن الاستغناء عنه وبنسبة عالية. طبعًا كلامنا يظل إنشائياً بلا قيمة ما لم تدخل الدولة على خط تحدير هويتها الاقتصادية، وتقويم مسارها الاقتصادي من خلال وضع خطة وطنية متكاملة لمعالجة وتوجيه المؤسسات التعليمية إلى رؤيتها وبرامج عملها وتطوير سوق العمل خاصةً في القطاع الخاص وتفعيل مشاريع الأعمال الصغيرة والمتوسطة من خلال التوجيه والقيادة المباشرة.

اليوم وبالرغم من ضخامة عدد الوافدين مقارنة بعدد المواطنين فإن الكل يشتكي من ندرة العمالة الفنية وغلاء الأجور مقارنة بدول الجوار، مما يدل على ضرورة إصدار قوانين تشريعية وفنية تسمح بوجود العمالة الأجنبية المدربة التي تتمتع بمستوى عال من المهارات بدلاً من العمالة الموجودة حالياً.

من الواضح أيضا أن نظام الكفيل الحالي قد فشل وتسبب في تكدس الوافدين واستغلالهم بشكل غير إنساني، لذلك لجأ بعضهم للعمل في وظائف غير مشروعة كالسرقة والوقوف عند إشارات المرور بقصد جمع الصدقات.

من الملاحظ أن عمال النظافة والمناولة هم من أكثر العمالة التي يستغل فيها الوافد، والقصص التي تروى أقرب منها إلى الخيال، فيكفي الاستماع إلى عمال المناولة في شبرة الخضرة والجمعيات التعاونية والأسواق الموازية ومطار الكويت (لدينا 75 جمعية تعاونية في كل جمعية ما لا يقل عن 150-300 عامل وعليك الحساب).

السؤال هل تدفع لهم رواتب ومن يدفعها ومن المستفيد من وجودهم؟ عن نفسي متفائل في العهد الجديد وفي كشف الفاسدين والمحاسبة قادمة إن شاء الله. ودمتم سالمين.

أ. د. فيصل الشريفي