في 26 يونيو 2022 عقدت مجموعة السبع التي تضم أقوى الدول الصناعية قمة رئاسية مهمة في أحد القصور البافارية ناقشت فيها أبرز القضايا العالمية وفي مقدمتها تطورات الحرب في أوكرانيا وتبعاتها على كل المستويات الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى ملفات التضخم العالمي والطاقة والغذاء، وذلك تحت عنوان تعزيز التعاون الدولي والديمقراطيات في أنحاء العالم، وقد صرّح الرئيس الأميركي على هامش القمة أنه يأمل أن مقررات القمة ستغيّر العالم لأجيال.

لا شك أن لمجموعة الـ «جي 7 -G7» ثقلاً وازناً في القضايا العالمية، وقد سبق لها أن تركت بصمات ملحوظة على مختلف الملفات البيئية والصناعية التي تتأثر بها جهات الكرة الأرضية الأربع، وكذلك الأمر فيما يخص محاربة «الإرهاب» والتصدي لجائحة كورونا والأزمة المالية العالمية، لكن تصريح الرئيس الأميركي الواضح والصريح يستحق الوقوف عنده لمحاولة تقصي ما ستؤول اليه مصايرنا القريبة والمتوسطة.

Ad

في الملف الروسي-الأوكراني، فقد ورد على لسان المستشار الألماني أولاف شولتز في البيان الختامي أن دول القمة «ستدّفع روسيا ثمناً باهظاً... ولن تسمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالانتصار»، وقد اعتبر المجتمعون أن التصرفات الروسية واستيلاءها غير القانوني على المنتجات والمعدّات الزراعية الأوكرانية، ومحاصرتها للمرافئ المطلة على البحر الأسود وتعطيلها المتعمّد لوسائل النقل والإمداد، لا يمكن اعتباره سوى اعتداء جيوسياسي على الأمن الغذائي العالمي، والى جانب تعهدهم بتقديم 4.5 مليارات دولار إضافية لمكافحة انعدام الأساسيات الغذائية، حض قادة القمة الى تجنّب المبالغة في تخزين الغذاء مما من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الأسعار بشكل إضافي، متمنين على البلدان والشركات التي تملك «مخزونات غذائية كبيرة» المساعدة في تخفيف حدة أزمة الجوع المستجدة.

من جانب آخر اتفق المجتمعون على ضرورة العمل المشترك للإسراع في جهود مكافحة تغير المناخ وتسريع عملية الانتقال نحو الحياد المناخي بطريقة نظيفة وعادلة، مع ضمان أمن الطاقة.

ولعل من أبرز مخرجات القمّة تعهد القادة بجمع 600 مليار دولار أميركي، منها 200 مليار وعدت الولايات المتحدة الأميركية أن تؤمنها من المنح والأموال الاتحادية والاستثمارات الخاصة، وذلك على مدى خمس سنوات لتمويل مشروع «الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار» في الدول النامية لمواجهة مشروع «الحزام والطريق الصيني» كبديل مستدام.

ومرة أخرى كان الرئيس الأميركي واضحاً بتصريحه أن الأموال التي ستجمع وتقدم من خلال المشروع «ليست معونة أو عملاً خيرياً، إنه استثمار سيحقق عوائد للجميع... وسيسمح للبلدان النامية برؤية الفوائد الملموسة للشراكة مع الدول الديموقراطية».

وهنا مربط الفرس، حيث يؤكد العالم الغربي مرة أخرى تحاشيه الدخول في حرب عالمية ثالثة ليواجه خصومه وأعداءه بأوراق ضغط اقتصادية يستخدم فيها أسلوب الترغيب التنموي وسلاح الاقتصاد، مما يمكّنه من حشد أكبر عدد من التحالفات، ويجعله مؤثراً في الوقت نفسه بقضايا الغذاء وبملفات الطاقة التقليدية والبديلة التي سيكون الصراع عليها عنوان العقد القادم.

المشكلة في مثل هذا التوجه الغربي واضح المعالم، أن الحلف الصيني-الروسي لن يقف مكتوف الأيدي أمام المساعي والطموحات الغربية، وسيستخدم في المواجهة كل أوراق الضغط والتهديد، بما في ذلك الملف الإيراني والشرق أوسطي، مما قد يخشى معه، في لحظة شعوره بالضعف الإقتصادي، التورط بحروب عسكرية أو بضربات نووبة يملك مفتاح إطلاقها دون تمكّنه من التحكم في تداعياتها أو توقع نهاياتها عليه وعلى العالم! يأتي ذلك في ظل تراجع الدور المرجّح لحلف شمال الأطلسي الذي أعلن الرئيس الفرنسي منذ ثلاث سنوات «موته السريري»، وكشفت الحرب الروسية على أوكرانيا حجم التردد باتخاذ القرار فيه وفقدانه للرؤية الواحدة والوازنة، وهذا ما يرتبط بالذهنية الغربية والتركيبة الأيديولوجية لأنظمة الحكم في ما يسمى «الدول الديموقراطية» وقوامها عدم الاستعداد- تحت ضغط الخشية من الرأي العام- الدخول في حروب كبرى تكبدها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، في حين أثبتت التجربة مثلاً أن الدب الروسي لا يخشى- وربما يسعى- لنقل الحرب الغربية الاقتصادية الى اشتباك مباشر قد يكون السلاح النووي أحد مخالبه الحاسمة، اضافة الى إمدادات الغاز والطاقة.

ويبقى السؤال: أين الشرق الأوسط ودولنا العربية مما يحدث في العالم؟ ومن البدهي أن الإجابة عن هذا السؤال المكرر والجوهري لا يمكن الحسم فيه بتجاهل الثابت الوحيد أن إسرائيل هي ولاية أميركية لا يمكن أن تمسّ بمصالحها، ولا أن يهدّد أمنها، وهي الصديق الودود لروسيا ولمعظم دول شرق أوروبا، وحليفة للغرب في الملفات الاستراتيجية على الأقل.

لا شك أن المداولات السريّة والمقررات العلنية لقمة مجموعة السبع ستطول في تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة، القريبة الأجل أو البعيدة المدى، دولنا العربية ولاسيما البترولية منها، ففي القريب العاجل ستتوجه جهود جمع المليارات التنموية التي أعلنتها مجموعة السبع الى الصناديق السيادية لدولنا التي لن تتمكن من الرفض رغم ما تعانيه من أزمات اقتصادية صامتة أو ناطقة.

من جانب آخر، ورغم محاولات الرئيس الأميركي استرضاء المملكة العربية السعودية ومعها دول مجلس التعاون، بحضوره المدوّي لاجتماع خليجي يعقد في المملكة، فإن التجربة مع السياسات الأميركية والغربية حيال الملفات التي تخصنا أو تتعلق بمنطقتنا، غير ثابتة حتى لا نقول غير مشجعة.

يترافق ذلك مع ما يشهده العالم من سباق للسيطرة على النفط والغاز الشرق أوسطي، قبل النجاح في الاعتماد على طاقة بديلة تجنّب الدول الكبرى فخ الخضوع لورقة الابتزاز في امدادات الطاقة.

هذا الواقع يحتّم على الدول المنتجة للبترول واجب التكيّف والاستعداد لمرحلة ستكون خلالها في عين العاصفة، مما سيضع دولنا- عاجلاً أم آجلاً- تحت وطأة تراجع الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي وتصاعد وتيرة وحجم التحديات الجدية والمقلقة.

لا شك أن جميع دولنا على مفترق مصيري بين مسار التنمية المستدامة وهاوية السقوط الحر، فمع الخشية من أن تفقد الدول المنتجة للنفط الأوراق الفاعلة في نظام الطاقة العالمي الجديد؛ تجب المسارعة الى ترجمة طموحات الشعوب العربية وتطلعات أصحاب القرار إلى إجراءات عملية سريعة لتحقيق النجاح، وتبني نهج التعاون في إطار ديموقراطي، مؤسساتي وتنموي مثمر.

* كاتب ومستشار قانوني.

د. بلال عقل الصنديد