لم يشكل الاجتماع التشاوري للوزراء الخارجية العرب في بيروت نقلة نوعية في العلاقات العربية ـ اللبنانية، إنما مجرد حصوله، حمل مؤشراً ايجابياً حول استمرار الاهتمام العربي بالبلد الصغير مع دعوات كثيرة للبنانيين بضرورة مساعدة أنفسهم، وجلّ المواقف تركزت على هذه النقاط، وهو ما جاء على لسان وزيري خارجية الكويت وقطر، والأمين العام لجامعة الدول العربية.

بحث الاجتماع ملفات ذات اهتمام مشترك من دون التوصل إلى أي برنامج عمل واحد أو موحد، وفيما تم البحث في انعقاد القمة العربية بالجزائر الخريف المقبل، إلا أن الموقف المتوفر حتى الآن لا يزال على حاله برفض مشاركة سورية في القمة.

Ad

لبنانياً، حضرت ملفات عديدة، أبرزها تعزيز العلاقات العربية اللبنانية، وثانيها ضرورة الالتزام التطبيقي والفعلي ببنود المبادرة الكويتية. أما الهمس في الكواليس، فقد شدد على ضرورة إنجاز الإصلاحات، والاستحقاقات الدستورية في مواعيدها بدءاً من تشكيل سريع للحكومة وصولاً إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

في مقابل كل الأزمات اللبنانية، لا يزال الخطاب اللبناني خشبياً في مقاربة الاستحقاقات والتحولات، وهو لا يزال يلقي اللوم على اللاجئين السوريين والفلسطينيين ويطلب المساعدات بذريعة استضافتهم، وهو موقف لم يرق للمسؤولين العرب الذين اعتبروا أن لبنان يعرف كيف يتهرب من المسؤولية وإلقائها على الآخرين، بينما يجدر باللبنانيين العمل على الخروج من سياسة المحاور وإنجاز الإصلاحات المطلوبة للحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي والدول المانحة.

ومن الواضح، بحسب ما تشير مصادر متابعة، لـ»الجريدة»، أن حركة وزيري خارجية قطر والكويت كانت الأبرز من خلال اللقاءات التي عقدت والسعي إلى جمع اللبنانيين على تفاهم فيما بينهم وعقد التسويات والاتفاقات كي لا ينسحق البلد بسياسات المحاور خصوصاً في ظل تصعيد إقليمي تشهده المنطقة على الوقع الانسداد في المفاوضات النووية من فيينا إلى الدوحة، وفي ظل الصراع على الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ولا تفصل المصادر هذه الملفات عن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة والتحضير لها وعقد قمة عربية - أميركية إلى جانب الحديث عن تشكيل ناتو عربي، فيما لبنان يرفض الانخرط فيه ويرفض فكرته من الأساس.

بانتظار القمة الأميركية - العربية، وزيارة بايدن إلى إسرائيل، ينتظر لبنان الكثير من التحولات والتطورات في المنطقة، بين إمكانية الذهاب إلى تسوية إقليمية أو التصعيد بحال فشلها، وهو بكلا الحالتين سيتأثر إيجاباً في حال حصل الاحتمال الأول وسلباً في حال حصل الاحتمال الثاني.

في السياق، يستمر البحث عبر الدبلوماسية المكوكية التي تقودها واشنطن بين لبنان وإسرائيل للوصول إلى حلّ لملف ترسيم الحدود. فالسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا جالت على المسؤولين وأبلغتهم بفحوى محادثات آموس هوكشتاين رئيس الوفد الأميركي للمفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيلي مع المفاوضين الإسرائيليين.

وفيما يتم تغليف الجواب بنوع من الإيجابية، إلا أن مصادر اخرى تؤكد أن الإسرائيليين أعلنوا موافقة مبدئية على المقترح اللبناني لكن فرضوا شروطاً بالمقابل هي الحصول على مساحة موازية لمساحة «حقل قانا» إضافة إلى دفع مبالغ مالية لقاء ثمن الغاز الذي سيتم استخراجه من الحقل. وهو أمر يستحيل ان يوافق عليه لبنان، ما يعني أن الملف سيبقى بحاجة إلى وقت طويل من التفاوض في ظل التعقيدات التي تعتريه.

وعليه لا يزال لبنان بعيداً من الانخراط في عملية العمل على استخراج النفط من شرق البحر الأبيض المتوسط، وتصديره إلى أوروبا، على وقع اعتبار هذا النفط بأنه ذات اهتمام عالمي ولا ينحصر في البقعة التي سيستخرج منها وهذا قد يضع المنطقة على باب تصعيد جديد في ضوء موقف حزب الله بمنع إسرائيل من الاستخراج طالما لبنان لم يبدأ بالعمل، هنا سيكون لبنان أمام خيارين إما الذهاب إلى الاتفاق مع العرب واستعادة العلاقات، وإما البقاء في وضعية معلّقة بانتظار التطورات الخارجية والتي قد تستدعي تصعيداً إيرانياً - إسرائيلياً سيكون أكبر المتأثرين بها.

منير الربيع