عرفت مصر على مدار نحو 5 آلاف عام أكثر من 340 فرعوناً، إلا أن القليل منهم فقط هم الذين ذاعت شهرتهم، خصوصا في دول العالم الأخرى التي يعشق الكثيرون فيها الحضارة المصرية القديمة، ولهذا السبب يقام حاليا في فرنسا معرض جديد يستكشف العوامل التي جعلت الأجيال المتعاقبة تتناقل أسماء أبرز هؤلاء الفراعنة منذ خمسة آلاف عام دون غيرهم.

Ad

حظيت مجموعة محدودة من مشاهير الحضارة المصرية القديمة بشهرة واسعة، في وقت لم يلقَ غيرُهم اهتماما بالقدر ذاته، على الرغم من أهمية العديد منهم وأدوارهم المؤثرة تاريخياً، لذا يأتي معرض «نجوم الفراعنة»، أو «الفراعنة سوبر ستارز»، الذي يقام في مدينة مارسيليا الفرنسة حاليا، ليلقي هالة ضوء على الشخصيات الفرعونية التي لم تنل حقها من الشهرة، ويبحث في أسباب الشهرة العريضة التي حققها فراعنة آخرون.

ويُرجع خبراء التاريخ والآثار سبب تمتع بعض الفراعنة بشهرة كبيرة إلى ما حققوه من إنجازات، سواء في المجال العسكري أو لأسباب أخرى، أبرزها الإنجازات المعمارية المنسوبة إليهم، حيث ارتبطت أسماؤهم بمعابد أو تماثيل عملاقة أو أهرامات ضخمة.

وينظر المصريون حاليا إلى هذا المعرض باهتمام كبير، وعلى رأسهم المهتمون بقطاع السياحة، إذ إن فكرة معرض من هذا النوع من شأنها أن تعزِّز تنشيط السياحة الأثرية الوافدة من دول العالم المختلفة إلى مصر.

وافتتح المعرض قبل أيام في متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية، وقال منسقه العام عالم المصريات، فريديريك موجونو، في تصريحات له: «إنّ خوفو ونفرتيتي وتوت عنخ آمون ورمسيس أسماء معروفة اليوم بعد مرور آلاف السنين على رحيل أصحابها، لكن من يتذكر نخت أنبو أو أحمس وبسماتيك وسنوسرت، وهي أسماء حظيت بشهرة في أوروبا خلال القرن الثامن عشر؟ بالإضافة إلى سنوسرت الثالث، وأمنمحات الثالث المبجلين من مصريي الألفية الأولى؟».

أما بالنسبة إلى الملكة كليوباترا التي يتناولها المعرض أيضًا، فصوّرها المؤرخون الرومان على أنها مغرية وفاسقة، بينما ينظر إليها المصريون والعرب عموما باعتبارها امرأة بناءة وعالمة.

ويقول موجونو: «خلال العمل على هذا المعرض، اتضح لنا أنّ كليوباترا كانت تمثل رمزًا للشهرة... إنّ المشاهير في الماضي مختلفون عن أولئك الحاضرين في زمننا الحالي، وهؤلاء ربما لن يشبهوا المشاهير في المستقبل»، لافتا إلى «الحظ» أسهم في شهرة بعض الفراعنة.

وهذا المعرض الذي يقام حتى 17 أكتوبر المقبل، تأخر عن موعده الأصلي لمدة عامين، إذ كان مقررًا افتتاحه عام 2020، لكن جرى تأجيله بسبب تفشي «كورونا» عالميًا، إلا أن انعقاده في العام الحالي يعد أنسب موعد لافتتاح معرض كهذا، لأن عام 2022 هو الذكرى المئوية الثانية لفك رموز اللغة الهيروغليفية - المُدوّنة على حجر رشيد، والتي كان المصريون القدماء يستخدمونها - من قبل جان فرانسوا شامبليون، كما تحل في هذا العام أيضًا الذكرى المئوية لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وكنوزه الذهبية.

المعرض المقام على مساحة ألف متر مربع يتكوَّن من ثلاثة أجزاء، الأول يعرض كل ما يرتبط بذكرى الفراعنة في الحضارة المصرية القديمة، والثاني يركز على صورة الفراعنة حتى القرن الـ«18»، استنادًا إلى نصوص يونانية - رومانية وأخرى دينية. فيما يبرز الجزء الثالث الدور المهم الذي قام به شامبليون، واستطاع أن يوضح من خلاله للعالم عظمة الحضارة الفرعونية.

وفي سياق المعرض، تُعرض مجموعة كبيرة من الوثائق التاريخية المهمة بدءاً من النصوص الهيروغليفية المصرية، وصولًا إلى المخطوطات التي ترجع إلى القرون الوسطى، وبعض الرسوم الكلاسيكية. إلى جانب قطع أثرية مهمة يصل عددها إلى 300 من متحف اللوفر والمتحف البريطاني في لندن ومجموعات أوروبية أخرى.

ومن بين القطع الأثرية الأكثر جمالا المعروضة تمثال للإله آمون الذي كان في الأصل مصحوبًا بتمثال لتوت عنخ آمون قبل أن يدمره المصريون القدماء لمحو الذكرى المرتبطة به، بالإضافة إلى قبضة ضخمة من تمثال تابع لرمسيس الثاني، وكذلك مخطوطات ترجع إلى القرن الـ»17».

ويتناول المعرض أيضا الاستخدامات الحديثة لصورة الفراعنة، فخلال فترة الستينيات من القرن الماضي، دخل نجوم الفراعنة إلى عالم المشاهير في سينما هوليوود، وفي المجتمعات الاستهلاكية تحولوا إلى أيقونات إعلانية لبيع الصابون والملابس النسائية وحتى الأسقف المعلقة! إذ تم استخدام صور نفرتيتي وكليوباترا على نطاق واسع من فترة العشرينيات إلى التسعينيات.

وقال فريديريك موجونو: «هذه أيقونات للجمال، تستخدم لمخاطبة جمهور نسائي». ويستنتج: كان لدى الفراعنة هدف بعد وفاتهم هو «الانضمام إلى النجوم التي لا تطير في السماء أبدًا»، كما يستنتج موجونو. باختصار، إن أسماءهم تُلفظ دائمًا خارج الحضارات، بالتالي تحقق الخلود، وهو نجاح لنجوم الفراعنة.

● أحمد الجمَّال