تزامن يوم 17 يونيو مع الذكرى الخامسة والسبعين لبدء العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الهند ونيبال، فثمة علاقات وثيقة ومتعددة الأبعاد بين هاتين الجارتين، لكن تجمعهما أيضاً علاقة فوضوية ومليئة بالتناقضات.

أولاً، حارب قادة الجيل الأول في سبيل الديموقراطية في نيبال وسعوا في الوقت نفسه إلى تحقيق استقلال الهند بالتعاون مع شخصيات هندية معاصرة مثل جواهر لال نهرو والمهاتما غاندي، ولهذا السبب نشأ رابط شخصي وثيق بين قادة البلدين، لكن هذه الروابط تلاشت في الجيل اللاحق ولم تعد نيبال على رأس أولويات القادة الهنود، مما دفع البيروقراطيين من وكالة الاستخبارات والشؤون الخارجية الهندية إلى توسيع دورهم في التعامل مع نيبال.

Ad

ثانياً، تؤثر الهند بكل وضوح على الأمن في نيبال، فمن جهة تُعتبر الهند من أبرز مصادر التهديدات الأمنية التقليدية التي يواجهها البلد نظراً إلى تفوّقها من حيث الحجم والقوة والقدرات، فقد حاولت نيبال مثلاً التحايل على الهند لاستيراد الأسلحة من أماكن أخرى، لكنها واجهت عواقب وخيمة مثل الحصار الاقتصادي على طول حدودها مع الهند، ومن جهة أخرى، تبقى الهند أول دولة تلجأ إليها نيبال خلال الحالات الطارئة، وهذا ما حصل مثلاً خلال الزلزال الكارثي في عام 2015، وكانت الهند أول بلد يزوّد نيبال بلقاحات «كوفيد 19» خلال أزمة كورونا.

ثالثاً، تحمل الهند تأثيراً كبيراً على الاقتصاد النيبالي، فخلال فترة الخمسينيات والستينيات، كانت التجارة النيبالية شبه محصورة مع الهند، وبقي إجمالي العمليات التجارية محدوداً، ومع ذلك شكّلت الهند نحو 95 في المئة من تجارة نيبال الخارجية، لكن بعد تحرير الاقتصاد في البلدين، زادت التبادلات التجارية بدرجة هائلة، ففاق حجم واردات نيبال من الهند مستوى الصادرات إليها بفارق كبير.

على صعيد آخر، يطرح اتكال نيبال الكامل على الهند لتلقي إمدادات أساسية مثل منتجات البترول مخاوف كبرى، ففي غضون ذلك، بدأت واردات الأغذية من الهند إلى نيبال تزيد بوتيرة متسارعة، وهكذا انتقل البلد من الاعتماد المتبادل إلى الاتكال الكامل على الهند.

أخيراً، أثّرت الهند بقوة على الجوانب الاجتماعية والثقافية في نيبال، بدءاً من الروابط الدينية والثقافية وصولاً إلى علاقات الزواج والمطبخ المشترك، حيث يتقاسم البلدان حضارات وأساطير مشتركة، وتمتد المواقع الدينية الهندوسية والبوذية على طول الحدود، ويجمعهما أيضاً حب كبير لرياضة الكريكت.

في الوقت نفسه، يسعى النيباليون إلى فصل هويتهم عن الهنود، ولهذا السبب، يُقابَل أي تلميح حول تشابه النيباليين والهنود باعتراض شرس، كذلك تطغى المشاعر المعادية للهند على نيبال، لكنها موجّهة ضد البيروقراطيين والقادة السياسيين الهنود في المقام الأول.

لهذا السبب، لطالما كانت العلاقة بين الهند ونيبال مليئة بالتناقضات، حيث يحاول القادة النيباليون التواصل مع الهند، لكنهم يمقتون هذه الجهود حين لا تصبّ في مصلحتهم، فتشكّل الهند إذاً مصدراً للأمن والتهديدات في آن، حيث يتكلم النيباليون والهنود عن الأخوّة التي تجمعهم، لكن تبقى الهند «الطرف الآخر» في عملية تكوين الهوية النيبالية.

في مطلق الأحوال، تُعتبر الهند واقعاً يلوح في أفق نيبال مهما اختلفت الظروف، وهذا الواقع هو الذي يرسم مسار العلاقات الثنائية المعاصرة.

كان لافتاً ألا يحتفل البلدان بالذكرى الخامسة والسبعين لبدء العلاقات الرسمية بينهما، حتى أن وزارة الخارجية أو السفارة في كلا البلدين لم تكتب ولو تغريدة واحدة عن هذه المناسبة.

يتعلق السبب ببدء التواصل بين الهند ونيبال منذ آلاف السنين، رغم ترسيخ العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين قبل أشهر قليلة على نيل الهند استقلالها من البريطانيين في أغسطس 1947، إذ ترتكز هذه العلاقة على رابط تاريخي قديم وعوامل حضارية وثقافية ودينية مشتركة.

لكن رغم غياب أي احتفال بهذه الروابط المستمرة، تبدو العلاقة بين الهند ونيبال مدهشة بمعنى الكلمة، فهي عميقة وواسعة وفوضوية في آن ومن المتوقع أن تبقى كذلك لفترة طويلة.

*سانتوش شارما بوديل

The Diplomat