أكد عدد من خبراء النفط أن أزمة الطاقة في الصين تسلط الضوء على مدى صعوبة تحقيق التوازن بين أمن الطاقة واستدامتها من جانب والنمو الاقتصادي من جانب آخر، مبينين أن العديد من الشركات متعددة الجنسيات تمتلك فروعاً لها في الصين، مثل تسيلا وديزني وغيرهما، إضافة إلى الشركات العالمية الأخرى والصينية، وعندما تتوقف هذه الشركات عن العمل يعني ذلك توقف أكبر اقتصاد عالمي مستهلك للطاقة ومعظمها مستورد. وقال النفطيون، في تحقيق أجرته «الجريدة» حول مدى تأثير إغلاقات بعض المناطق الصناعية بالصين بسبب انتشار «كوفيد 19»، وانعكاس ذلك على أسعار الطاقة، إنه إضافة إلى كون الصين محوراً رئيسياً للصناعة المالية، ومركزاً للإلكترونيات وتصنيع السيارات فإنها تملك أكثر موانئ الشحن ازدحاماً في العالم لذلك فإن أي إغلاق سيكون مكلفاً بشكل خاص على سوق الطاقة.

واستشهدوا بما حدث من تراجعات أسواق الأسهم في أوروبا بعد هبوط حاد شهدته بورصات آسيا، بسبب عودة قيود «كورونا» التي تفرضها الصين، والتي ستضر بسلاسل الإمدادات والاقتصاد العالمي، كما انخفض مؤشر فوتسي 100 ببورصة لندن، الذي يضم أكبر 100 شركة بريطانية في البورصة، وكانت شركات السلع في مقدمة التراجع ومنها شركات النفط والتعدين، مضيفين أنه إذا فقد الاقتصاد الصيني قوته فسينخفض الطلب على المواد الخام وسيؤثر ذلك على استهلاك النفط والغاز مما سيوثر على الأسعار.

Ad

ولفتوا إلى أن الاضطراب المرتبط بكوفيد في سلاسل التوريد، الذي يسبب نقصاً في السلع، فضلاً عن ارتفاع الأسعار المرتبط بالحرب في أوكرانيا، كل هذا يخلق بيئة مضطربة جدا، ويؤثر بشدة على أسعار النفط.

وذكروا أنه نتيجة لهذا فقد خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني، حيث رأى البنك الدولي أن ثاني اقتصاد في العالم سيسجل نموا لا يتجاوز 4.3% هذا العام، مقابل 8.1% العام الماضي، بعدما كانت التقديرات السابقة للبنك توقعت في ديسمبر أن يسجل إجمالي الناتج المحلي للصين نموا بنسبة 5.1% عام 2022.

وتوقعوا في ظل المخاوف الآن من معدلات التضخم المرتفعة وتوقعات حدوث الركود التضخمي على مستوى الاقتصاد العالمي، وخاصة في الدول الصناعية، أن ينخفض الطلب على النفط العام المقبل، ولكن إذا استمرت المخاوف من شح المعروض «فلا نتوقع أن يحدث انخفاض كبير في أسعار النفط»... وإلى تفاصيل التحقيق:

بداية قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني إنه وسط التشاحن السياسي العالمي، أصبح شعار عالم متعدل الاقطاب أمرا شاغلا ليس لروسيا فقط وإنما للصين كذلك، حيث تبرز لتعود في المشهد السياسي بمشروع جيواقتصادي، الأمر الذي جعل الصين تقود تحالف «جي 8»، أي تحالف الدول الناشئة، بريكس بلس (BRICS)، ليضم دول البرازيل والصين والهند، الدول الأساس، إلى جانب روسيا، وإندونيسيا، وإيران، وتركيا، والمكسيك.

وأضاف بهبهاني أنه في المؤتمر الأخير لهذا التحالف أبدت الأرجنتين اهتمامها بالانضمام مما يرفع تعاملها السكاني لهذه الدول إلى ما بين 40% و65% من تعداد العالم، وليقفز بسيطرة اقتصادية عالمية من 25% الى 35%، ليكون أكبر تحالف اقتصادي عالمي.

وأشار الى انه بمنظور الطاقة بدأ هذا التحالف بمشاريع شبكة انابيب غاز تبنتها الصين وتمتد منها الى روسيا القديمة (4 دول) ومنها إلى وسط اسيا (6 دول) لافتاً إلى ان هذا التحالف اصبح مقبولا من قبل اغلب دول الطاقة والاقتصاد كونه تحالفا جيواقتصادي بحتاً، وجميع مؤشراته تدل على ذلك ومن اهمها المنافسات الاقتصادية البعيدة عن التدخلات السياسية المباشرة للدول، لذا فقد اصبح تحالفا مقبولا لدول اسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية وحتى دول الشرق الأوسط، صاحبة اكبر مخزون طاقة.

الاقتصادات الناشئة

وقال بهبهاني ان الصين تتحرك ضمن هذه المنظومة الجديدة فهي ليست وحدها وان كبرت سكانيا، فهي ضمن قيادتها لاقتصادات الدول الناشئة ارتفع طلب الغاز لديها مع بداية 2022بنحو 10% ليصل الى 180 مليار متر مكعب من 106 مليارات وتزيد قدرتها التخزينية للغاز المسال برصيف انجز بصورة خيالية بقدرة 266,000 متر مكعب ويزيد معدل استهلاكها للغاز من 365 الى 370 مليار متر مكعب.

وأضاف أن مناجم الفحم في الصين، التي لديها أكبر مخزون عالمي، عادت لترفع انتاجها منذ بداية 2022 إلى نحو 32% مع مراعاتها لقرارات التوازن البيئي، مشيرا الى انه لا يرى ان الاغلاقات الصينية بسبب كورونا مؤشر دقيق، للصين بالذات، في تقليص قدرتها للطلب واستهلاك النفط والغاز، كونه ان لم يكن للاستهلاك المباشر فهو للتخزين الذي لديها قدرات هائلة فيه «لذلك نرى مصافي اوروبا تزيد استيرادها للخام الروسي الى 1.8 مليون برميل يوميا رغم ايقاف الغاز الروسي لأربع دول اوروبية، فالبدائل متوفرة في دول التحالف الناشئة بقياده صينية/ روسية.

إغلاق شامل

بدوره، قال استاذ الاقتصاد أمين سر الجمعية الاقتصادية الخليجية د. عبد المحسن المطيري إنه إذا استمرت الصين في اتباع استراتيجية صفر إصابة من فيروس كوفيد 19 «نتوقع تكرر الإغلاقات وبالتالي التأثير السلبي على الطلب على النفط وانخفاض الأسعار، حيث انخفضت أسعار النفط في العالم مع فرض الصين إغلاقا شاملا على مدينة شنغهاي، وهي مركز مالي وصناعي مهم»، لافتاً إلى أن فقدان خام برنت أكثر من 5 دولارات للبرميل عندما تم الإغلاق في شهر مارس وسط مخاوف من أن يتسبب الإغلاق في انخفاض الطلب.

وأضاف المطيري أن النشاط الاقتصادي تباطأ بشكل حاد خلال أبريل الماضي، ووفق البيانات، فقد انخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 2.9 في المئة خلاله مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وتقلصت مبيعات التجزئة بنسبة 11.1 في المئة.

نمو اقتصادي

وأشار إلى أنه نتيجة لهذا فقد خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني وقال البنك الدولي، إن ثاني اقتصاد في العالم سيسجل نموا لا يتجاوز 4.3% هذا العام في مقابل 8.1% العام الماضي، لافتا الى ان التقديرات السابقة للبنك الدولي كانت قد توقعت في ديسمبر أن يسجل إجمالي الناتج المحلي للصين بنسبة 5.1% عام 2022، مضيفا انه مع المخاوف الآن من معدلات التضخم المرتفعة وتوقعات حدوث الركود التضخمي على مستوى الاقتصاد العالمي وخاصة في الدول الصناعية «نتوقع أن ينخفض الطلب على النفط في العام القادم ولكن إذا استمرت المخاوف من شح المعروض لا نتوقع ان يحدث إنخفاض كبير في أسعار النفط».

أكبر اقتصاد

من جانبه، قال الخبير النفطي الإماراتي د. علي العامري إن العديد من الشركات متعددة الجنسيات تمتلك فروعاً لها في الصين مثل تسيلا وديزني وغيرهما بالإضافة الي الشركات العالمية الأخرى والصينية، وعندما تتوقف هذه الشركات عن العمل يعني توقف أكبر اقتصاد عالمي مستهلك للطاقة ومعظمها مستورد.

وأشار العامري إلى أنه بالإضافة إلى كونها محوراً رئيسياً للصناعة المالية، ومركزاً للإلكترونيات وتصنيع السيارات فإنها تملك أكثر موانئ الشحن ازدحامًا في العالم، لذلك فإن أي إغلاق سيكون مكلفًا بشكل خاص على سوق الطاقة.

وأضاف: «لقد رأينا تراجعات أسواق الأسهم في أوروبا بعد هبوط حاد شهدته بورصات آسيا، بسبب قيود كوفيد التي تفرضها الصين والتي سوف تضر بسلاسل الإمدادات والاقتصاد العالمي، كما انخفض مؤشر فوتسي 100 ببورصة لندن - الذي يضم أكبر 100 شركات بريطانية في البورصة وكانت شركات السلع في مقدمة التراجع ومنها شركات النفط والتعدين».

وأوضح انه إذا فقد الاقتصاد الصيني قوته فسينخفض الطلب على المواد الخام وسيؤثر ذلك على استهلاك النفط والغاز مما سيوثر على الأسعار، مبيناً أن الاضطراب المرتبط بكوفيد في سلاسل التوريد، الذي يسبب نقصا في السلع، فضلا عن ارتفاع الأسعار المرتبط بالحرب في أوكرانيا، كل هذا يخلق بيئة مضطربة للغاية ويؤثر بشدة على أسعار النفط.

وذكر العامري أنه الرغم من ذلك «الا اننا نرى أسعار النفط والغاز ما زالت مرتفعة نوعا ما واحتمال ارتفاعها أكثر لعده أسباب، منها حدوث أزمة طاقة في الصين نفسها، وعلى رأسها الزيادة الكبيرة لأسعار الفحم، الذي تعتمد عليه في توليد حوالي ثلثي احتياجاتها من الكهرباء، وقد ارتفعت أسعار العقود الآجلة للفحم في الصين بأكثر من 200% خلال عام 2021، ليسجل أعلى مستوى في 10 سنوات، ويعزى ذلك إلى الانخفاض الكبير في مخزونات الصين من الفحم وتعطل إمداداته من المقاطعات الرئيسية المنتجة له، ومن ناحية أخرى توقفت إمدادات أستراليا والتي كانت تمثل 68% من واردات الصين من الفحم، بعد أن فرضت الصين حظراً على الفحم الأسترالي كرد انتقامي على مطالبة أستراليا بإجراء تحقيق دولي بشأن نشأة فيروس كورونا».

أهداف بيئية

وقال العامري ان هناك سببا آخر للأزمة الداخلية الصينية يرتبط بالأهداف البيئية للحكومة الصينية التي تسعى إلى تقليل إجمالي الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030 وصولاً إلى مستوى الحياد الكربوني بحلول عام 2060 وإذا استطاعت الصين التغلب على أزمة الطاقة داخلياً، بما يساعد على استئناف غالبية المصانع نشاطها واستعادة قدرتها التشغيلية المعتادة فإن ذلك سيرفع من أسعار النفط عالميا».

أما بالنسبة لدول الخليج العربي، فأفاد العامري بأنه يمكن أن يؤدي الاحتياج الصيني لمزيد من الطاقة إلى زيادة الطلب على النفط وتزايد الاستثمار في عقوده طويلة الأجل، وبالتالي ارتفاع أسعاره، مما يساهم في انتعاش قطاع النفط الخليجي، كما أنه من المحتمل أن تتاح بعض الفرص الاستثمارية المهمة للشركات الخليجية العاملة في مجال الطاقة المتجددة في الصين.

وأضاف أن الجانب الإيجابي للأزمة يتوقع أن يعادل تقريباً الجانب السلبي، مما يبقي تأثير الأزمة على اقتصادات المنطقة في حدود معقولة وتحت السيطرة، مؤكداً أن أزمة الطاقة في الصين سلطت الضوء على مدى صعوبة وتعقيد مهمة تحقيق التوازن بين أمن الطاقة والنمو الاقتصادي وأهداف الاستدامة البيئية المرتبطة بخفض مستويات الانبعاثات الكربونية، وهو أمر سيضطر الصين وغيرها من الدول الذاهبة في هذا الاتجاه، إلى مراجعة خططها في هذا الإطار، لتجنب الآثار والتبعات غير المحمودة المرتبطة بها.

هبوط الأسعار

وقال العامري إن الإغلاق الصيني الجديد قد تسبب في هبوط أسعار النفط، لكنها ظلت قريبة من أعلى مستوياتها في 3 أشهر حيث انخفض سعر النفط 0.6%، إلى 122.30 دولاراً للبرميل ثم تراجع إلى 0.4% أي انخفاض غير ملحوظ، وكذلك خام غرب تكساس، وذلك بسبب زيادة الطلب العالمي على النفط من الدول المستهلكة كما ذكرت سابقا وكذلك بسبب الطلب القوي على الوقود في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك في العالم وفي اعتقادي سوف يرتفع سعر النفط بسبب الحرب الروسية الأوكرانية مع ان هناك مخاوف من فرض قيود مكافحة الوباء الجديدة في الصين، وأيضا هناك نقص في المعروض العالمي وزيادة بطيئة في إنتاج الخام من جانب المنتجين.

وذكر أنه إذا استمرت الصين في استخدام القيود للحد من انتشاره كوفيد لفترة اطول فهذا قد يوثر على النشاط الاقتصادي، ومن ثم قد نرى انخفاضاً جديداً في الاسعار، وخاصة ان الصين زادت من وارداتها من النفط الخام نحو 12 بالمئة في مايو، وهناك ارتفاع في المخزونات في ظل عمليات الإغلاق وتباطؤ الاقتصاد الذي أثر في الطلب على الوقود.

تأثر الأسواق

من جانبه، قال الخبير النفطي أحمد كرم إنه عقب تأثير التوترات السياسية العالمية بسبب حرب روسيا على اوكرانيا على السوق النفطي وأسعاره نرى الآن توترات عالمية في طرف آخر من العالم، مشيرا في هذا الصدد إلى بداية المشادات والمناورات بين الصين وأميركا والتي من شأنها التأثير على الأسواق النفطية اذا ما اشتدت في الفترة القادمة، وهذا بخصوص ملف تايوان الذي اصبح على أشده حاليا، حيث ترغب الصين في ضمها إليها كونها جزءاً منها حسب ادعائها، وتقابله أميركا بإمداد تايوان بالاسلحة.

وذكر كرم أنه اذا اشتدت هذه المسألة وانفجرت الفقاعة سواء تم عمل اغلاقات لوجستية على تايوان من قبل الصين او قيام الصين بعمليات عسكرية عليها فسنرى حينها ارتفاعات قياسية غير مسبوقة لأسعار النفط، وخاصة في ظل تواجد نقص حاد من الامدادات البترولية الروسية، ولكن من جانب آخر ربما سنرى زيادة في الانتاج النفطي من قبل اعضاء اوبك في محاولة للسيطرة على هذا الارتفاع والحد منه، وخاصة ان الصين تعد احد اكبر مستوردي النفط في العالم.

أشرف عجمي