تنوعت ردود الفعل على خطاب سمو ولي العهد، وهو أمر متوقع، فالخطاب مختلف، وفيه جوانب إيجابية، ويتعامل مباشرة مع حالة الانسداد السياسي. فجاءت الردود بين ترحيب مبالغ فيه، وبين الترقب الحذر، وبين عدم الاستيعاب، وبين المشكك في الأمر والرافض له، انطلاقاً من التجارب المؤلمة التي مارستها السلطة. ومع أن لكل من ردود الفعل تلك أسبابها، فإن أغلبها يعبر عن حالة الإحباط الحادة التي يعانيها المجتمع منذ سنوات، والتي نتج عنها انعدام ثقة بالمؤسسات الرسمية، وكذلك من بعض المعارضين.

في علم حل النزاعات المزمنة، تمثل إجراءات بناء الثقة نقطة انطلاق لخلق بيئة مناسبة للحل، وربما البدء بتفكيك الأزمة، والخروج إلى بر الأمان أو جزء من اليابسة. ومن المفيد التعامل مع الخطاب الأخير على أنه يمثل جزءاً من تلك الإجراءات، مثل عدم التصويت في انتخابات الرئاسة، ولجان المجلس؛ فعندما نتعامل مع الخطاب من منظور إجراءات بناء الثقة، فربما لن نحمّله أكثر مما يحتمل.

Ad

وحيث إن 90 ٪ من مفاصل القوة بحوزة السلطة/ الحكومة/ الأسرة، ولديها القدرة أكثر من غيرها على تحريك المياه الراكدة، وباستطاعتها وحدها لا غيرها أن تتحرك في المزيد من هذه الإجراءات الممكنة، مثل التصويت بالبطاقة المدنية، وإنشاء مفوضية عليا مستقلة للانتخابات، وغيرها، فإن لتلك الإجراءات نتائج إيجابية بالضرورة، أما بالنسبة للنواب والسياسيين فيستطيعون في هذه المرحلة عدم الدخول في الانتخابات الفرعية كإضافة لتعزيز الثقة.

ويمثل انعدام الثقة فجوة عميقة وقديمة، منذ خطاب 24 يونيو 1970 للشيخ جابر الأحمد، ثم خطاب الشيخ جابر العلي في صيف 1976، اللذين كانا يعبران عن حسن النوايا والدعوة للتعاون، إلا أن ما تبعهما كان حل المجلس وتعليق الدستور 1976، واستمرار محاولات تنقيح الدستور، وتغيير الدوائر في1981 ، ثم حل المجلس 1986 .

وبالتالي اتضح أنه كلما انفردت الحكومة بالسلطة، مع غياب المجلس، كان البلد من كارثة إلى كارثة، فلم تجلب الإدارة المنفردة على البلاد والعباد إلا الوبال.

حالة الانسداد السياسي مرتبطة بموازين قوى لمصلحة السلطة، وهي قادرة على استخدامها متى شاءت، والآن هناك خطوات تبدو أنها تتجه في الطريق الصحيح للخروج من المأزق السياسي، فدون حدوث تغييرات على الأرض لن تتحسن الأحوال؛ فالخطابات قد تحفز الأمور فقط، ولكنها لا تصنع واقعاً، إلا بتضافر كل الجهود.

* أ. د. غانم النجار