في مقال الأسبوع الماضي انتقدت أداء السلطتين انتقاداً علمياً وواقعياً خصوصا مخالفات النواب للدستور وقانون اللائحة الداخلية للمجلس، وتقديم استجوابات غير دستورية، واقتراحات بقوانين ضارة بالاقتصاد ومستقبل البلاد، وفي المقال نفسه انتقدت عجز الحكومة وعدم قدرتها على تقديم أي مبادرة عملية، ولم تستفد من الوزراء الذين عينتهم من المجلس، ولم تكافح الفساد بشكل ملموس ومقنع، وتركت وسائل التواصل الوهمية تعبث في البلاد وتنحرها.

ودعوت أعضاء المجلس إلى حوار موضوعي مع سمو الأمير أو ولي عهده، حفظهما الله، لأنه لا شك عندي أن الحكم لديه رأي محدد فيما يحدث في المجلس من أخطاء وصراع وتصعيد وتجاوزات، لذلك كان الحوار فرصة لسماع وجهة نظر الحكم في هذه الأمور ومناقشة سبب التأخر في التكليف الحكومي والرأي الدستوري أيضاً في المواد 56 و102 و103، وهي فرصة أيضاً للأعضاء لإيصال ما يرونه من رأي لصاحب السمو بشأن الأوضاع الخاطئة وموقفهم من المواد نفسها من الدستور، ولكن كل ذلك لم يتم طبعاً.

Ad

وها هو خطاب سمو ولي العهد يسبق الأعضاء ويبادر المشهد السياسي، ويؤكد أخطاء السلطتين، وينتقد أداء المجلس والحكومة انتقاداً لاذعاً ومحذراً، ولعل خطابه هذا يكون عبرة ودرساً لمن يرون الأمور بعين واحدة ومتحيزة إلى فئة.

وفي الخطاب نفسه فقرة اختلف في معناها كثير من الإخوة وانقسموا إلى فريقين وهي «فإننا نود أن نبين لكم أننا لن نتدخل في اختيار الشعب لممثليه ولن نتدخل كذلك في اختيارات مجلس الأمة القادم في اختيار رئيسه أو لجانه»، فقد رأى الفريق الأول أن هذه الكلمات معناها أن الحكومة لن تصوت في انتخابات رئاسة المجلس أو لجانه وستترك أوراق الانتخاب بيضاء وسيكون المجلس سيد قراراته، بينما رأى الفريق الثاني أن الخطاب كان يشرح موقف الحكم لا الحكومة لأن هذا هو النمط السائد في الخطاب بأكمله، فقد انتقد الخطاب الحكومة السابقة، ولم يتدخل في أعمالها فقال، «آلينا على أنفسنا عدم التدخل المباشر في إدارة الدولة تاركين هذه الإدارة إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية»، وقال «ولم نمنع أحداً من القيام بأي إجراء أو إصلاحات»، وقال «رأينا الخروج من المشهد السياسي بكل ما فيه من عدم توافق وصراع».

لذلك فإن الجمل التي ذكر فيها عدم التدخل في انتخابات الرئاسة واللجان يجب أن تُفهم من السياق بأكمله، حيث إن سياق الكلام كان يشرح موقف سلطة الحكم الذي لم يتدخل في السابق في الأمور التي ذكرها، وأنه لن يتدخل في المجلس المقبل، وسيترك الأمر للمجلس بشقيه، وأنه لم يقصد عدم تصويت الحكومة التي لم تتشكل أصلاً بعد، لأن المشاركة في الانتخاب في المجلس من حقوقها الدستورية، وأن من واجبها اختيار الأفضل والأصلح، ولا يخفى على أحد أن المقصود بالمجلس الذي هو سيد قراراته «بما لا يخالف الدستور واللائحة بالطبع»، يشمل الأعضاء المنتخبين وأعضاء الحكومة لأن المادة 80 نصت على أن الوزراء أعضاء في مجلس الأمة بحكم مناصبهم.

وعلى كل حال هذا الخلاف تساؤل مشروع، وأرجو أن يصدر توضيح بهذا الشأن لأهمية الأمر دستورياً وسياسياً، ولا شك أن الدعوة للحوار مازالت قائمة لكي تتجنب السلطات الوقوع في الأخطاء السابقة نفسها التي حذر منها سمو ولي العهد والتي أسماها بالعودة إلى المربع الأول وهي عبرة أخرى.

وقبل أن نختم هذه المقالة نعرج على كلمة سابقة لسمو ولي العهد هاجم فيها وسائل التواصل التي تنشر الأكاذيب والطعن في أعراض الناس، لذلك فإنه بات من المؤكد أن الأمور في الكويت لا يمكن أن تستقيم إذا استمرت كثير من وسائل التواصل مسرحاً للفاسدين والكذابين وصراعات بعض الشيوخ، وأيضاً الذين يقذفون الناس ويزينون الباطل ولا يرعون شرعاً ولا يراعون في غيرهم إلّاً ولا ذمة، وحسناً فعل وزير الإعلام بإغلاق بعض الحسابات وإحالة بعض الحسابات الى النيابة، والمطلوب الآن هو اتخاذ موقف حاسم ونهائي وفق الشرع والقانون في هذا الموضوع حرصاً على أسرة الحكم ووحدة البلاد واستقرارها ودرء الأخطار والفساد عنها.

أحمد يعقوب باقر