لم يغب لبنان، بملفاته وتعقيداته واستحقاقاته، عن جولة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتحديداً على مصر والأردن، ففي البيانات الختامية التي صدرت عن الزيارتين كان هناك تأكيد واضح حول الاهتمام بلبنان وتعزيز سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها، موقف يشبه الى حد بعيد ما صدر في جولة بن سلمان الخليجية العام الماضي، وهو ما يعني أن البلد الصغير لا يزال في مكانه، ولم يسلك بعد الطريق الصحيح لإصلاح علاقاته العربية.

على العكس، فقد أظهر انتقاد عضو المجلس المركزي في حزب الله، الشيخ نبيل قاووق، أمس، للسفير السعودي وتسميته بـ «سفير الفتنة» أن العلاقات قد تنتكس مجدداً، وذلك في ظل نشاط حزب الله سياسياً وأمنياً، ومحاولته توسيع نطاق جبهته بالتنسيق مع حركتَي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين والحوثيين في اليمن، وتشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة تحسباً لأي مواجهة مع إسرائيل التي تهدد بضرب إيران.

Ad

وبما أن جولة بن سلمان تأتي عشية زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة وقمة جدة الأميركية ـ العربية، فلا بد للبنان أن يحضر في النقاشات والحوارات التي تُجرى استعداداً للقمة على الصعد كافة؛ الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، وفي ملف النفط والغاز بظل تعقيدات تطرأ على هذا الملف، مادام ليس هناك حل لمسألة ترسيم الحدود.

وفي هذا السياق، تشير مصادر متابعة الى أن اتصالات غير مباشرة تبدو مستمرة لمنع التصعيد بحال لم يتم الوصول الى حل بملف الترسيم، لأنّ الأهم هو عدم تجاوز إسرائيل لحدود المنطقة المتنازع عليها، وألا يعتبر لبنان بشكل رسمي أن تل أبيب تسرق ثرواته.

في غضون ذلك، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الوسيط الأميركي لملف ترسيم ​الحدود البحرية​، ​آموس هوكشتاين​، التقى أمس الأول، طاقم ​المفاوضات​ ​الإسرائيلي​ بواسطة الفيديو لبحث الاقتراح ​اللبناني​ بشأن الحدود البحرية.

وانتقد رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، تذرّع إسرائيل بحل الكنيست لعدم إعطاء جواب على المقترح اللبناني، مشيراً الى أن «الحكومة الإسرائيلية قادرة على أن تنجز الحل إذا أرادت، وإلا فعليها في أقل تقدير، سحب الباخرة بعيدًا عن حقل كاريش، فلا يكفي أن تكون متوقفة جنوب الخط 29 ؛ هذا إن أرادت اسرائيل تجنّب التصعيد الخطير».

وفي واشنطن تتزايد الضغوط الأميركية بالتعاون بين جهات لبنانية فاعلة في العاصمة الأميركية مع عدد من أعضاء «الكونغرس»، لإعادة البحث في تكثيف الضغوط والعقوبات على الحزب والبلد، ما لم يتم الالتزام بشروط سياسية واضحة تبعد لبنان سياسياً عن إيران وتطويق حزب الله.

هذه المشاورات داخل واشنطن، تستمر بالتوازي مع الاستعداد لتجديد مهلة عمل قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، إذ يفترض بمجلس الأمن الدولي أن يعقد جلسة مغلقة الشهر المقبل للتصويت على القرار، فيما هناك شروط أميركية تتجدد عند كل موسم، حول ضرورة توسيع نطاق عمل وصلاحيات «يونيفيل» وتعزيز قدراتها لوجستياً وعسكرياً، وإما تقليص عديدها وتخفيض موازنتها، لأن الرأي الأميركي يستقر على أنه لا يمكن إبقاء الوضع كما هو عليه فيما حزب الله مستمر في نشاطه العسكري.

على وقع هذه التطورات الخارجية، بدأ رئيس الحكومة المكلف الذي يرأس كذلك حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، مشاوراته، وهو يسعى إلى تقديم تشكيلته الوزارية الأسبوع المقبل، وسط توقّعات بعدم الاتفاق عليها، مما يعني عدم قبولها من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يطالب بالمداورة بين الوزارات، غامزاً من قناة وزارة المال، التي يستحيل على رئيس مجلس النواب نبيه بري التخلّي عنها.

في الأثناء حذّر خبراء من أن «الحرب بين المصارف» التي اشتدت في الأيام القليلة الماضية من شأنها ان تنعكس سلباً على أي مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهو أمر ستكون له تداعيات على الوضعين المالي والاقتصادي، مما سيمدد الأزمة الى ما بعد تبلوُر أوضاع المنطقة والوصول الى تسوية رئاسية جديدة.

* بيروت - منير الربيع