ليست مجرد شاعرة تتنوع كتاباتها بين الفصحى والعامية، بل القصيدة نافذتها على أوجه الإبداع المختلفة، إذ تعشق الفن التشكيلي والموسيقى، وتؤمن بتداخل كل الفنون.

وفي حوار أجرته معها «الجريدة» من القاهرة، قالت الشاعرة السورية قمر الجاسم: «لا يهمني الشكل الذي أصوغ به قصيدتي أو لغتها، ما يهمّني أن تصل إلى الناس بفكرتها الجديدة، ببصمتي»، لافتة إلى أنها مزجت بين الشعر والقصة في ديوان قصص قصيدة جداً... وفيما يلي نص الحوار:

Ad

● تترك سنوات الحياة الأولى أثرها في المبدع، حدثينا عن بواكير علاقتك بعالَم القصيدة في ضوء نشأتك بمدينة حمص.

- البيئة لها تأثير كبير في شخصية كل منا، ومدركاته، حتى أنها تقيس مدى تقبّلنا أو اندماجنا في أشياء لا تشبهنا، أنا مثلاً كنت أكره الكثير من الألعاب التي يستمتع بها بقية الأطفال، لا أعرف لماذا... مؤكد لم يكن لديّ هذا الوعي، لكن لاحقاً انتبهت إلى أنني أكرهها لأنها تستنزف الطاقة والمشاعر، مثل رن جرس الجيران والهرب، أو اختباء أحدهم والبحث عنه. كنت أحمل دفتراً وقلماً وأنا لا أعرف الكتابة والقراءة، بمعنى أن الموهبة تُخلق معنا، لذا قلت «ولدتُ وكان في كفّي قلم». وأكثر ما أثر بي منذ الطفولة رحيل والدي، يرحمه الله، الوحدة التي كنت أشعر بها منذ رحيله أعطتني قوة وصلابة كي أتحدى المستحيل وأستطيع مجابهة الصعاب بأمل وعزيمة... لكنها حين امتزجت بالغربة والوجع والشوق والفراق والتشتت والضياع والدماء، زلزلتني.

أما مدينة حمص المبدعة في طبيعتها وطبيعة أهلها، وكثرة المبدعين فيها، فقد صقلت تلك الموهبة، بل إن منابر حمص مدرسة قائمة بذاتها، ليس سهلاً الوقوف على منبر كل جمهوره من الأساتذة. ما يعني أن الخطأ جريمة. ومازالت الآن لديّ الرهبة نفسها على منابر حمص.

● على أي أساس تختارين لغة القصيدة، خاصة أن إبداعك الشعري يتنوع بين الفصحى والعامية؟

- لا يهمني الشكل الذي أصوغ به قصيدتي أو اللغة، ما يهمني أن تصل إلى الناس بفكرتها الجديدة، ببصمتي، حتى لو كتبت مقالة، أن يعرف من يقرأها أنني كاتبتها ولو كانت مغفلة الاسم. كتبت مقالات ساخرة أيضاً، وشاركت بكتابة مسلسل كوميدي، وفي سلوجونات slogans لبرنامج على قناة «إم بي سي». تشدني الفكرة الجديدة أكثر من الطريقة التي أطرحها بها، أحاول ابتكار طرق جديدة في التعبير، والكتابة بشكل مختلف، خاصة عن الموضوعات التي كتب عنها الجميع عبر العصور، مثل الحب والأم والصمت والصوت والفرح والحزن. في ديواني «للعاطلين عن الأمل» أسست أول نقابة شعرية للعاطلين عن الأمل، وقلت ربما أفتتح لاحقاً مصنعاً لتكرير الدموع.

● تعشقين العود والكمان، إلى أي مدى انعكس ولعُكِ بالموسيقى على إيقاع شعرك؟

- أعشق الموسيقى والطبيعة وشتى أنواع الفنون، لإيماني بتداخلها، كتبت قصيدة عن لوحة لفنان عالمي، وقصيدة عن عازف الكمان، أسميتها «عازف الأمان»، وكتبت عن الريح والنسمة. الشعر والموسيقى لا ينفصلان، حتى في النثر موسيقى داخلية. كتبت عن البحر ديواناً كاملا «أمواج عارية وشيء من هذا القليل». ومزجت بين الشعر والقصة في ديوان «قصص قصيدة جداً» من خلال قصائد متسلسلة لحي وسكانه حتى حديقته، وكتبت في الجزء الثاني ما حلّ بهم بعد عشرين عاماً. الأدب يدندن إيقاع الحياة بين الحقيقة والواقع، بين الحلم والكابوس، بين الواقعي والمتخيل. وأسعى في هذه الحياة المليئة بالحروب إلى أن أدعو للفرح.. للأمل.. للحياة.

● ماذا عن تجربتك في برنامج «أمير الشعراء»، وكيف استفدت منها، خصوصًا بعد سجالك الشهير مع الشاعر السعودي عبدالرحمن الشمري؟

- البرنامج أسس لحالات مهمة جداً في الوسط الأدبي، أهمها أنه كوّن عائلة كبيرة تزداد في كل موسم، وأكد على الشاعر النجم، حيث استطاع إيصال الشعراء إلى كل البيوت، وأعاد الاهتمام بالشعر في زحمة الاهتمامات الأخرى، وبالنسبة إلى حلقتي التي لاقت صدى مختلفاً عن كل الثنائيات التي ظهرت بالبرنامج عبر مواسمه، بكل عفويتها، فربما لأن لدى البعض وجهة نظر لا أعرف من روّج لها، برغم أن المرأة هي التي أسست نطق الرجل كأم. كما قلت في قصيدتي الأولى، إن الأنثى أقل شعرية وشاعرية، وأنها لا تستطيع مجاراة الرجل.

● درست إدارة الأعمال والإعلام، فهل انطبعت دراستك بشكل أو بآخر على ملامح قصيدتك؟

- تتأثر كتاباتنا بكل ما نواجهه في حياتنا اليومية، وبعملنا وقراءاتنا، على أن تطورها، لا أن تؤثر فيها بشكل سلبي، ربما نطلق على مجملها ثقافة الحياة، على سبيل المثال، اضطررت بسبب عملي في الإعلام إلى قراءة كتب كثيرة عن الرسامين، حيث كان عليّ تغطية معرض رسم، فتحولت قصيدتي إلى لوحة فنية، خاصة قصائد البحر، من دراستي للاقتصاد تعلمت الاقتصاد بالكلمات. تعلمت اغتنام الفرص، والمخاطرة ووصلت إلى نتيجة: نحن نعتقد أننا عشنا تجارب مفرحة أو قاسية، لنكتشف في النهاية أن الحياة نفسها ما هي إلا تجربة للتعوّد على الموت.. لكنّ الحكمة مَن يعرف كيف يتعود على الحياة ليموت مرة واحدة.

● لديك رأي وازن في مسألة تصنيف المبدعين حسب جنسهم (كتابة ذكورية وأخرى نسوية)، لماذا برأيك تُطرحُ مثل هذه القضايا السطحية؟

- كما قلت لتسطيح المنتج الإبداعي على العموم ومنتج المرأة المبدعة على الخصوص، وهذا عبر العصور، هناك الكثير من الشاعرات المبدعات اللواتي لم يتم ذكرهن عبر التاريخ إلا نادراً، ولن أعطيك أمثلة عن المبدعات من الأميرات، يكفي أن يقرأ أحد عن الإماء الشواعر ويجد الجمال والتميز والقوة والإبداع، حتى الأدباء الرجال، وأعطيت مثالاً الشاعر الكبير نزار قباني لم يكتب بلسان المرأة للأسباب التي قالها النقاد، بل ليظهر تميزه، وإن نظر النقاد إلى نص المرأة التي تكتب بلسان ذكر على أنه نص ذكوري أو فيه فحولة. هل نص الرجل الذي يكتب بلسان أنثى نص نسوي؟ هذا طرحي.

● أخيرًا، ما الذي تعكفين على كتابته راهنًا وقد يرى النور قريبًا؟

- صدر لي أخيراً في معرض القاهرة كتابي التاسع «تحت جنح الغرام»، ولديّ العديد من المشروعات قيد الإنجاز أتحدث عنها في وقتها، أما ما تم إنجازه مخطوط رواية، ومخطوط ديوان شعر بالمحكي، وأهم ما أنجزه الآن انضمامي إلى مبادرة «إيجاز»، التي تسعى إلى تمكين اللغة العربية علّي أقدم خدمة لهذه اللغة التي نفخر بها. أحلامي كثيرة، لكنني، لم أكن أعرف أن أحلامي على عمقها بسيطة جدا لا تزيد على وطن دافئ أعيشه وأعيش فيه ومعه وبه ومنه.

● أحمد الجمَّال