«لا حرية لأعداء الحرية» كانت عبارة المحامي روسبير، أحد أشهر نجوم الثورة الفرنسية 1789م وعصر الإرهاب الذي سادها، لكن هل يمكن القبول بها فننزع حق الحرية عمن يعاديها؟ هل على القوى التقدمية الواعية التي لا تحتمي بعباءة السلطة ولا تداهنها أن تتمسك بعبارة روسبير وترفض حركة اعتصام النواب المعترضين على نهج السلطة باعتبار أن فكر بعضهم وإرثهم التشريعي وقفا ضد الحريات الشخصية والمدنية، فمنهم من بصم على مشروع قانون إعدام المسيء، ومنهم من تمترس خلف ستار العادات والتقاليد وساير نهج قمع كل المختلفين عنه، ومنهم من لا يملك أي تصور للحداثة والحريات الاجتماعية، ولا يعرف من الحقوق والحريات الإنسانية الأساسية غير شكل النصوص الدستورية دون الغوص في مضامينها؟!

من جهة، يمكن أن نتصور أنه في اللحظة التي نقبل بهذا الرأي «لا حرية لأعداء الحرية» فقد نفينا الحرية تماماً، ووقفنا في صف واحد مع أعدائها، وهنا نصبح الخصم والحكم في آن واحد، وأضحينا أصوليين لا نقل أصولية وتجمداً عن الأصوليين التراثيين والدينيين، وأصبح شعار الحرية خواء في خواء، ولنا دليل، مثلاً، مع عدد من النخب التي عادت الربيع العربي 2011 ووقفت ضده حين تسلم الإسلاميون الحكم في تونس ومصر عبر صناديق الاقتراع، فأضحت تلك النخب ذاتها ضحية تأييدها السابق للانقلاب على الشرعية فيما بعد.

Ad

ومن جهة أخرى، أيضاً، لا يمكن البصم «عمياني» مع أي حركة اختلاف ورفض لسلوك السلطة لمجرد أنها (الحركة) تقف ضد هذه السلطة التي احتكرت القرار السياسي، فنضحّي بالقليل الباقي من الحريات المدنية من أجل شكل محدد للحريات السياسية كما تتصوره تلك الجماعات، لابد من وضع خطوط فاصلة وواضحة بين المستحق والأكثر استحقاقاً، مع ضرورة الحوار مع السلطة وقوى التجمعات والاعتصامات اليوم لتحديد ما نريده وما لا نريده، وبالوقت ذاته علينا ألا ننسى في أي لحظة أن السلطة لا تقيم بالأكثر شأناً للقوى التقدمية، فهي عادة تساير وتداهن أي تحرك رجعي موغل في محافظته، وتزايد عليه لتمكين ذاتها على مضمار الشرعية. هو موقف صعب للموازنة بين الأمرين، فلننتبه.

حسن العيسى