قبل سنوات عديدة عندما كنت أعمل على تأليف كتاب عن تاريخ منطقة ‏الشامية، التقيت العم ناصر حمد الفلاح (من سكان الشامية)، الذي أبلغني ‏بشكل قاطع أنه من مواليد عام 1917م، وعندما سألته عن السبب في ‏تأكده من سنة ولادته، أخبرني أن والدته رحمها الله توفيت في سنة ‏‏»الرحمة»، وهو عام 1918، وكان عمره عند وفاتها سنة واحدة.

تذكرت ما ‏قاله العم ناصر بسبب ما ذكرته في المقالين السابقين من واقع وثائق ‏الأمير أحمد الثنيان آل سعود، عندما زار الكويت عام 1922، حيث ‏كانت الكويت وقتها تنفذ حجراً صحياً (كرنتينة) للقادمين إليها، فيتم ‏حجر الزائر لعدة أيام للتأكد من خلوه من أية أمراض معدية. قال لي العم ‏ناصر إن الكويتيين أطلقوا اسم سنة الرحمة على تلك السنة، بسبب كثرة ‏الترحم على الميتين بسبب وباء الملاريا الذي عم الكويت وما حولها من ‏مناطق، كما أطلق على نفس السنة اسم سنة «السخونة» أو «الصخونة»، ‏كما ينطقها معظم الكويتيين، طبقاً لقول العم ناصر الفلاح.

Ad

المهم في ‏الموضوع أن الأوبئة لها تاريخ طويل مع الإنسان، وأنها قضت على ‏ملايين البشر في القرون الماضية، فمثلاً في الكويت قضى وباء الطاعون عام 1831م على حوالي ثلثي عدد الكويتيين الذين كان تعدادهم حوالي ‏‏30 أو 40 ألفاً، كما قضى الطاعون على حوالي 270 ألفاً من سكان ‏البصرة في تلك السنة، حسب بعض التقديرات الموثقة، وفي الكويت أيضاً ‏قضى وباء الجدري عام 1932م على حوالي 3 آلاف شخص أكثرهم ‏من الأطفال، وسميت تلك السنة بسنة الجدري.

ويبدو لي أن الكويت بدأت ‏نظام الحجر الصحي الرسمي لأول مرة في تاريخها عام 1922 أو ‏قبل ذلك بقليل، وكان المسؤول عن تطبيق هذا النظام هو طبيب الوكالة ‏السياسية البريطانية في الكويت، أما مسألة التطعيم فقد رفضها معظم ‏الكويتيين الذين انتشرت بينهم إشاعة أن التطعيم يسبب العقم، ولكن ‏إصرار الأطباء والحكومة فرض على معظم الناس أن يخضعوا للتطعيم ‏وخصوصاً في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، وما بعدها.

باسم اللوغاني