تشير الإحصائيات إلى نحو ربع مليون نسمة يعملون خدما في بيوت الكويتيين، وهو رقم فائق للمعقول ويحمل مؤشرات خطيرة على صُعد عدة أمنية واقتصادية وليس أقل من ذلك صعيد التنمية البشرية في مجتمع فتي، وفي مقابلة ذلك بعدد الكويتيين الذي يربو بقليل على المليون يتضح أن هناك خادماً لأقل من فردين كويتيين، والأرجح أن عدد العمالة المنزلية وما يجري مجراها يفوق ذلك، فهناك أعداد غفيرة ممن يباشرون كثيراً من الخدمات المنزلية دون أن يحسبوا كذلك في السجلات العامة.

العواقب الأمنية غنية عن البيان: تبدأ من سوء المعاملة، مروراً بالسرقة، وحتى التصفية الجسدية في أحوال متكررة، أما التكاليف الاقتصادية فتتمثل بإرهاق الإدارة الحكومية والبنى التحتية بأعداد تقارب عدد الكويتيين ذاتهم دون إضافة اقتصادية حقيقة، لا بل إنها تستنفد مدخرات الأفراد، وتحجم بذلك توسع الطلب الكلي.

Ad

أما استتباعات ذلك على التنمية البشرية فوخيمة، ويبدو أن الأمر لم يُحمل حتى الآن على محمل الجد من جهات الاختصاص أو ممن يخططون مستقبل هذا البلد، فاعتماد الأسرة الكويتية على الخادم باطراد، كما أن تولي هؤلاء مزيداً من أدوار الأسرة باطراد أيضا، وذلك حتى اتخذت العلاقة بين الطرفين شكل اتكال بدني ونفسي شبه تام على الطرف الخادم، بل أصبح الحديث عن مجاميع من الخدم لا خادم واحد هو القاعدة، وتستوي في ذلك أسر محافظة ما برحت تزاول معيشة تقليدية، وأيضا أولئك الذين يدعون في مظهرهم حياة عصرية ولا يكفون عن وعظ الآخر بالتأسي بما في الغرب من اعتماد على الذات في كل صغيرة وكبيرة! وقد بلغ اتكال الأسرة مبلغا أصبح معه الوجود دون خادم لأي سبب طارئ كان مدعاة للقلق، مثل ما حدث مؤخرا أثناء جائحة كورونا، رغم ما اقتضته تلك الظروف من حظر كلي للتجوال وقلة مشاغل وقضاء الأسر أغلب وقتها في البيت.

فالعلاقة المتوازنة بين أجر مقابل خدمة قد أخذت منذ سنوات بالاختلال لصالح الطرف الخادم، حتى قادت بحسب وصف الطرف المخدوم إلى أن يقع هذا دائما ضحية إخلال بالعقود وابتزاز مالي مدبر بين الخادم والمكاتب الوسيطة، وتكرار تبدل الخدم بهدف تجريبهم وتدريبهم يعني نزفاً للوقت وهتكاً متكررا لأستار البيوت والحياة الخاصة للأفراد، وهذا مع بقاء المخدوم بحسب القوانين متحملا المسؤولية القانونية في كفالة خادم لا يعمل لديه.

والحق أن كل هذ لا يستغرب منه ما دام هناك حديث عن علاقة مختلة، فبالتنقيب في تاريخ المجتمعات تجد أمثلة من هذا القبيل، فالهولندي سنوك هرغرونيه ينقل ما شهده في أسواق العبيد في مكة وإفريقيا نهاية القرن التاسع عشر من أحوال يصبح فيها السيد نتيجة ذلك الاختلال أداة طيعة في يد العبد، بل تابعا له بعد أن كان متبوعا، كيف يتبرم هذا الأخير، يتلكأ في عمله ويحتال ليقوم سيده ببيعه لسيد آخر يحبذه العبد.

كلا ليس هذا ما يستغرب منه المرء، بل مدعاة الاستغراب هو إصرار لا يلين للأسرة الكويتية على الخادم، وهو كما قلت ذو استتباعات تنموية عظيمة: فكيف لمن لا يقوى أو لا يرغب قياما بشأنه الخاص أن يكون عجلة ولو حقيرة في محرك التنمية؟ هذه تذكرة!

* د. محمد بن عَصّام السبيعي