بادئ ذي بدء، فإن منح كافة أصحاب المعاشات التقاعدية مكافأة استثنائية هو مبادرة طيبة من مجلس الأمة في فصله التشريعي الحالي، وهو قرار يصدر متسما بالمساواة بين جميع أصحاب المعاشات، في ظل المادة (29) من الدستور التي تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة»، ومحققا للعدل الذي هو إحدى دعامات المجتمع الثلاث وباراً وعرفانا بجميل هؤلاء الذين قدموا زهرة شبابهم وجل حياتهم في خدمة بلدهم، في وقت تجتاح فيه العالم موجة هائلة من ارتفاع الأسعار والتضخم.

ومن هنا كان تحديد جلسة خاصة بمجلس الأمة للنظر في إقرار هذه المبادرة بقانون هو قرار صحيح، إلا أن ما تتمتع به الكويت دائما في تجربتها الديموقراطية الفريدة في الوطن العربي بوجه عام، والخليج بوجه خاص، هو الحوار المتصل حول السند الدستوري والقانوني لأي قرار، وهو ما يترسخ به مبدأ سيادة القانون والدولة القانونية.

Ad

في هذا السياق فقد أبدى بعض النواب الرأي بعدم الحاجة إلى صدور قانون، اكتفاءً بقرار يصدر من مجلس الوزراء، إعمالاً لأحكام المادة (80) من قانون التأمينات الاجتماعية، وعطفاً على إجابتي التي أجبت بها صحيفة «الجريدة» على سؤال وجهه إليّ أحد محرريها، حول صحة وسلامة هذا الرأي، ومع تقديري الكامل لصاحب هذا الرأي، دون بخس للرأي ذاته، وما يمكن أن يكون مبناه هو الخشية من مخالفة الدستور إذا فقدت الجلسة الخاصة النصاب لعدم حضور الحكومة باعتبارها حكومة مستقيلة، فإن ما يسترعي النظر في هذا الرأي، وما يمكن أن يكون هذا الرأي قد قام عليه من الخشية السابقة ما يلي:

أولاً: أن الدستور قد ألزم في المادة (103) الحكومة المستقيلة بتصريف العاجل من الأمور، ومن أول واجباتها في هذا السياق هو وجوب حضورها اجتماعات المجلس، لتقدم للملجس كل ما يطلبه من معلومات وبيانات ودراسات، لأن نظام الحكم يقوم على أساس مبدأ الفصل بين السلطات، مع التعاون فيما بينها، بما لا يجوز معه أن يكون انعقاد مجلس الأمة واكتمال نصابه متوقفاً على إرادة السلطة التنفيذية، وأن يترتب على غياب عضو واحد يمثل الحكومة فقدان نصاب الاجتماع.

ثانياً: أنه لا يجوز تفسير نص المادة (80) من قانون التأمينات الاجتماعية بمعزل عن باقي نصوص القانون، وعن نصوص الدستور الذي خرجت كل السلطات من رحمه، وكأن المادة (80) سالفة الذكر هائمة في فراغ، فالنصوص القانونية والدستورية يكمل بعضها بعضاً، وإن ما عهدت به المادة (80) سالفة الذكر من اختصاص لمجلس الوزراء بمنح معاشات أو مكافآت استثنائية للمؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات، لا يمكن عزل هذا النص عن المادة (81) من القانون، التالية لها مباشرة، فيما تنص عليه من أن «المعاشات والمكافآت التي تستحق طبقا لأحكام هنا القانون هي وحدها التي تلتزم بها المؤسسة، أما ما يستحق طبقا لقوانين أخرى أو قرارات ويعهد إلى المؤسسة بتنفيذها فتؤديه الخزانة العامة للمؤسسة».

فقد وضع المشرع هذه المادة لتكون قيداً على أحكام المادة (80) من القانون، والتي كانت قد دارت مناقشته في الشاليه في الجليعة عندما كنا نضع هذا القانون، حيث اقترح حمد الجوعان، الأب الروحي لهذا القانون، وضع هذا القيد على أحكام المادة (80) لإلزام الخزانة العامة بتحمل الأعباء المالية المترتبة على قرارات مجلس الوزراء سالفة البيان، حتى لا تخل قرارات مجلس الوزراء بالتوازن المالي الذي يقوم عليه نظام التأمينات الاجتماعية، وعند الصياغة النهائية لنص هذه المادة، رُئي أن تكون المادة (81) قيداً على ما يستحق طبقا للقوانين الأخرى، فضلا عن قرارات مجلس الوزراء سالفة البيان، على أن يراعي مجلس الوزراء في هذا الأمر ما تنص عليه المادة (146) من الدستور فيما تنص عليه من أن «كل مصروف غير وارد في الميزانية أو زائد على التقديرات الواردة فيها يجب أن يكون بقانون، وكذلك نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الميزانية».

ثالثاً: وغني عن البيان أن مجلس الوزراء الحالي لا يملك منح هذه المكافأة الاستثنائية، إعمالا لأحكام المادة (103) من الدستور التي تنص على أنه «إذا تخلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن منصبه لأي سبب من الأسباب يستمر في تصريف العاجل من شؤون منصبه لحين تعيين خلفه».

ولا يعتبر منح مكافأة استثنائية لأصحاب المعاشات من قبيل العاجل من الأمور، إلا في حالة واحدة هي تطبيق أحكام المادة (25) من الدستور، لا قدر الله، التي تنص على أن «تكفل الدولة تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة...».

● المستشار شفيق إمام