كتبت قبل بضعة أشهر بتاريخ 23/ 2/ 2022 في جريدة «الجريدة» مقالاً بعنوان «قرن من التجربة الديمقراطية» محاولاً من خلاله تشخيص إشكالية اللااستقرار السياسي (وتجارب تعطيل الدستور والتخويف المستمر من تعليقه مرة أخرى)، وهو ما يُظهِر الدستور كأنه «منة» أو «منحة» من السلطة تملك سحبها وقتما تشاء.

وأوضحتُ أن الإشكالية الحقيقية تكمن في استئثار الأسرة الحاكمة بمنصب «رئيس الوزراء» رغم أنه دستورياً يجب أن يكون شعبياً ومتداولاً وفقاً لأساسيات النظام البرلماني وأصوله كما هو في الدستور الكويتي، وهو مكمن استقرار كل نماذج الأنظمة البرلمانية وعلى رأسها البريطاني، الذي تحتفل ملكته وشعبها اليوم بالعيد البلاتيني لاستمرارها ملكة للدولة مدة سبعين عاماً، وهناك استقرار واضح لوضع أسرة الحكم؛ لأن منصب رئيس الوزراء شعبي منتخب ومتداول، ومن ثم لا ينال أسرة الحكم البريطانية أي تجريح، خلافاً لحالة اللااستقرار عندنا بسبب استئثار خاطئ للأسرة الحاكمة برئاسة الوزراء وصراع أبنائها عليه، وتحصينه من المساءلة بلا سند وخلافاً للمنطق.

Ad

ومما جاء في مقالي المشار إليه «إلا أن الدستور فقد توازنه، ليس بسبب نصوصه، ولا بسبب ممارسات أعضاء مجلس الأمة، وإنما يكمن جوهره في أن الأسرة الحاكمة أرادت أن تجمع بين يديها سلطتين؛ أولاهما مُنِحت لها بالدستور، وهي إمارة الدولة وولاية عهدها وتوارث الحكم فيها، والأخرى لم تُمنح لها إطلاقاً، وهي السلطة التنفيذية، ممثلة برئاسة مجلس الوزراء، ولم يكن يُعجِز واضعي الدستور- لو أرادوا- إسنادُها، لكنهم تركوها دون هذا الإسناد لحكمة مقصودة، بل تؤكد المذكرة التفسيرية، بمواضع مختلفة، أمرين أساسيين؛ النأي بالأسرة الحاكمة عن أي مواضع للتجريح، والنأي بها أن تكون خصماً سياسياً من جهة أخرى، بل تم إغلاق الباب أمام أي مبالغات بضمانات للسلطة التنفيذية من جهة ثالثة، وهو ما يعني أن الأسرة الحاكمة قد تم النأي بها عن تولي السلطة التنفيذية، لكن الواقع سار عكس ذلك، فتولت الأسرة الحاكمة إدارة شؤون البلاد كأمير وولي للعهد، وفقاً لما هو مقرر بالدستور، وتولت كذلك إدارة السلطة التنفيذية من خلال استئثارها بمنصب رئيس الوزراء، وهو الأمر الذي أدى إلى الخلل الذي نعيشه حتى اليوم، إذ إن المساءلة السياسية، وهي جوهر النظام البرلماني، تتم لرئيس الوزراء والوزراء، وعند اقترابها من أحد أبناء الأسرة الحاكمة تثور الحساسية السياسية؛ لأن التجريح سيكون من نصيبه. وهو ما عمد الدستور إلى النأي بهم عنه... ولذلك أصبح منصب رئاسة مجلس الوزراء، بل حتى الوزراء، من المناصب التي تشهد صراعاً لا هوادة فيه بين أبناء الأسرة الحاكمة، الأمر الذي يستوجب أن تعود الأمور إلى نصابها، وأن تضع حالة الصراع بين أبناء الأسرة الحاكمة أوزارها، وتنتهي هذه المسألة إلى غير رجعة بالالتزام بالدستور والنأي بالأسرة الحاكمة عن المساءلة السياسية، ويأتي على رأسها وفي أولوياتها ابتعادهم عن منصب رئاسة الوزراء، ولتبقَ الأسرة الحاكمة بموضع المرجعية الحيادية بعيداً عن التجريح باقتصارها على منصبي الأمير وولي العهد».

وبمراجعة التجربة الدستورية والبرلمانية الكويتية، نجد أن واضعي الدستور قد منعوا تعديله في السنوات الأولى من عمره، إفساحاً للوقت لاستقرار التجربة، وفِي تصورهم أن يعدل الدستور بعد خمس سنوات بإكمال مظاهر النظام البرلماني وتقليص دور الأسرة الحاكمة، (وهي الحكمة المغيبة أو الغائبة في شأن حظر تعديل الدستور لمدة 5 سنوات)، لكن الواقع العملي سار باتجاه عكسي، وهو هيمنة الأسرة على التشكيل الوزاري واحتكارها لما يعرف باسم وزارات السيادة، فضلاً عن استئثارها برئاسة الوزراء، دون اعتبار لما تكشفه اتجاهات الناخبين كما تعبر عنه المادة 57 من الدستور وعبارات المذكرة التفسيرية بشأنها، وهو سبب حالة اللااستقرار السياسي، ولذا فإن الأخذ بمنطق النظام البرلماني بحق يوفر الاستقرار الذي يتمتع به النظام البرلماني البريطاني، جنباً إلى جنب مع ضمان النأي بأسرة الحكم عن التجريح السياسي حفاظاً على مرجعيتها وإمدادها للدولة بأمراء المستقبل.

محمد المقاطع