الثاني عشر: الصلاحيات ولجنة التحقيق:‏

تملك لجنة التحقيق الصلاحيات التالية:‏

Ad

• كشف معلومات العضو المحال إلى التحقيق واستدعاء الشهود وسماع إفاداتهم ‏‏(م/23 لائحة 2019)، وهنا تبدو صلاحية اللجنة مطلقة، فلم يتم حصر نطاق ‏المعلومات المطلوب الكشف عنها بتلك المعلومات الضرورية للتحقيق.‏

• سماع الشهود وعرض الأدلة غيابيا (م/24 لائحة 2019)، حيث تملك لجنة ‏التحقيق وفق تقديرها لمصلحة التحقيق أن تعرض الأدلة في غيبة العضو ‏المحال إلى التحقيق، وبعدها يكون بإمكانه الرد عليها.‏

• المعاينة، وهكذا تملك اللجنة صلاحية الانتقال ومعاينة المكان التي تراه ‏ضروريا لظهور الحقيقة (نفس المادة).‏

• الاستعانة بخبير فني، أو أكثر من داخل الجامعة (نفس المادة).‏

• توسيع نطاق التحقيق، حتى يشمل أعضاء آخرين من الهيئة التدريسية، ذلك ‏بعد أن يأخذ الوزير قرارا إضافيا بإحالة عضو آخر للتحقيق (م/26 لائحة ‏‏2019).‏

ومن وجه نظرنا يمكن وصف هذه الصلاحيات بأنها صلاحيات واسعة جدا، ‏يتجاوز بعضها الغاية من التحقيق، حيث إن كشف معلومات العضو بشكل مطلق ‏قد لا يخدم التحقيق، وسيؤدي إلى التشهير بالعضو وانتهاك خصوصيته، كما أن ‏عرض الأدلة بشكل غيابي يضر بمبادئ المواجهة مع الشهود والشفافية. لذا، تبدو ضرورة إلغاء هاتين الصلاحيتين من لجنة التحقيق. ‏

الثالث عشر: التعارض بين المسؤولية التأديبية والجزائية:‏

• اكتشاف لجنة التحقيق لوقوع جريمة؛ ففي حالة اكتشاف لجنة التحقيق لإمكانية وصف المخالفة محل التحقيق بالجريمة، ‏فهنا أقرت لائحة عام 2019 قاعدتين هامتين (م/28 لائحة 2019):‏

• إحالة موضوع الواقعة إلى الوزير، بدلاً من إحالة الموضوع برمته إلى ‏النيابة العامة حتى تنظر فيه.‏

وفي الواقع ربما تفتح هذه القاعدة المجال لقرارات تحكمية بإحالة بعض الأعضاء ‏أو استمرار التحقيق تأديبيا أو وقفه تجاه البعض الآخر.‏

• مساءلة العضو تأديبيا رغم صدور حكم ببراءته جزائيا أو حفظ التحقيقات ‏الجنائية، ذلك في حالة واحدة فقط، وهي عدم تأكيد الحكم الجزائي لصحة ‏الواقعة، كأن يحكم القاضي الجزائي بالبراءة لعدم كفاية الأدلة ففي هذه الحالة ‏يمكن للجنة استكمال التحقيق.‏

أما إذا تأكد بموجب الحكم الجزائي أن الواقعة غير صحيحة، فلا يجوز استكمال ‏التحقيق التأديبي.‏

في الحقيقة، كان من الأفضل حسم موضوع التحقيق التأديبي بالتزامن مع نتيجة ‏التحقيقات الجنائية، خصوصا في حال صدور حكم بالبراءة، احتراما لحجية الحكم ‏الجزائي على قيام الواقعة محل التحقيق من عدمها.‏

• إجراءات مجلس التأديب، في مواجهة ‏أعضاء هيئة التدريس في ‏الجامعات الحكومية.‏

* المركز العلمي والاجتماعي لأعضاء الهيئة وفكرة التأديب:

‏يحظى أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية باحترام وهيبة واسعتين ‏بين فئات المجتمع، كما أن الوزارات يمكن أن تستعين بخبرتهم الاستشارية بغاية ‏تحقيق المصلحة العامة، بدلاً من استقدام خبراء من الخارج. ‏

‏كما أن أعضاء الهيئة من حملة شهادة الدكتوراه، هم في معظمهم من المبتعثين ‏للدراسة في الخارج على حساب الدولة، وهذا ما يعني أن البنيان العلمي ‏والاجتماعي الراقي الذي وصلت إليه الهيئة الأكاديمية هو جزء من عملية التنمية ‏البشرية التي تعمل عليها الدولة.‏

‏لكن الواقع يحمل معه احتمالات لا يجوز التعامل معها بشكل متهاون، ولا يجوز ‏معها إطلاق معنى الثقة والهيبة، بل إن المصلحة العامة تقتضي إحالة أعضاء ‏الهيئة إلى «مجلس التأديب» رغم ما تحمله هذه الإحالة من إساءة إلى سمعة ‏العضو المحال إلى التحقيق. ‏

‏ذلك لأن عدم المحاسبة ستؤدي إلى انتشار الفساد في الأوساط الأكاديمية، وهي ‏آفة خطيرة على مسيرة النشاط العلمي، تقتضي إتاحة المجال لإحالة أعضاء ‏الهيئة إلى التحقيق، ‏بالتالي كيف واجه قانون الجامعات الحكومية رقم 76/2019 ‏هذه الإشكاليات والتناقضات؟

الرابع عشر: الإحالة على مجلس التأديب... صلاحية تقدير مطلقة لوزير التعليم ‏العالي:‏

بعد انتهاء التحقيق مع عضو الهيئة بصدور التقرير النهائي الذي تبدي فيه اللجنة ‏رأيها في تورط العضو بمخالفة معينة، يحال الموضوع برمته إلى وزير التعليم ‏العالي الذي يمتلك صلاحيات واسعة بخصوص المضي بإجراءات التأديب.‏

حيث جاء في قانون 76/2019 أن «للوزير بعد الاطلاع على التقرير (تقرير ‏لجنة التحقيق) أن يحفظ التحقيق، أو أن يأمر بإحالة العضو المحال للتحقيق إلى ‏مجلس التأديب إذا رأى محلا لذلك، أو أن يكتفي بتوقيع عقوبة التنبيه كتابة» ‏‏(م/32).‏

بناء عليه ومهما كان فحوى تقرير لجنة التحقيق فإن للوزير ما يلي:‏

• حفظ التحقيق دون حتى بيان الأسباب، وحتى إذا كان تقرير لجنة التحقيق ‏يشير إلى إمكانية تورط عضو الهيئة بمخالفة تأديبية.‏

• الإحالة على مجلس التأديب مع سلطة تقدير مطلقة، دون ربط هذه الإحالة بما ‏وصلت إليه لجنة التحقيق.‏

• توقيع عقوبة التنبيه الكتابي دون إحالة العضو إلى مجلس التأديب، بغض ‏النظر عن نتائج التحقيق.‏

فعلى الرغم من نص لائحة 2019 على ضرورة أن يكون قرار لجنة التحقيق ‏مسببا (م/20 لائحة 2019) إلا أن قانون 76/2019 فتح المجال لوزير التعليم ‏العالي حتى يقرر مصير التحقيق بغير توضيح الأسباب، ودون ربط قراره بنتائج ‏التحقيق (م/32 قانون + م/21 لائحة).‏

وهذا ما يتطلب تدخلاً تشريعياً لتعديل المادة 32 من قانون الجامعات، حتى يكون ‏قرار الوزير متناغما مع التحقيق، وألا يكون المجال مفتوحا لقرارات إدارية غير ‏موضوعية بحق هيئة التدريس.‏

الخامس عشر: الضمانات والمثول أمام مجلس التأديب:‏

من الضمانات المذكورة في القانون 76/2019 لعضو هيئة التدريس في مواجهة ‏إجراءات التأديب، هي:‏

• الإعلان لعضو الهيئة التدريسية بقرار الوزير إحالته على مجلس التأديب، ‏وموضوع المخالفة، ذلك قبل أسبوعين على الأقل (م/32 لائحة 2019).‏

• حق الاطلاع على التحقيقات والأوراق، ذلك في أول جلسة (نفس المادة).‏

• عدم جواز تأديب عضو الهيئة عن واقعة قد مضى عليها أكثر من 5 سنوات، ‏إلا إذا قطع التحقيق هذه المدة أو تم إيقافه هذا العضو عن العمل أو تم فرض ‏إجراء تأديبي بحقه خلال مدة الـ 5 سنوات بسبب نفس الوقائع؛ بالتالي فإن ‏العضو يأمن جانب مجلس التأديب بمجرد مرور هذه المدة دون تحقيق أو أي ‏إجراء تأديبي بسببها.‏

لكن هذه القاعدة لم تكن مطلقة، بل إن القانون 76/2019 قد استثنى منها ‏الحالات التالية (م36):‏

‏1-‏ التزوير مثل تزوير العلامات بعد إتمام التصحيح بغرض تغيير علامة الطالب ‏المستحقة.‏

‏2-‏ السرقة مثل سرقة مستندات هامة من ملفات الجامعة لأي غرض كان.‏

‏3-‏ المخاطبات المالية كأن يقوم عضو الهيئة بطلب اعتمادات مالية تتجاوز ‏المطلوب لأحد المؤتمرات العلمية التي يكون هذا العضو فيها رئيس اللجنة ‏المالية.‏

• عدم جواز تأديب عضو الهيئة عن واقعة لم تذكر بتقرير لجنة التحقيق (م33/ ‏لائحة 2019) حيث إن هذه الواقعة لم يقع فيها التحقيق، ولذلك لا يجوز ‏لمجلس التأديب النظر فيها طالما أن التحقيق التأديبي واجب بالقانون.‏

• لا يجوز تأديب عضو الهيئة التدريسية إلا بقرار مسبب، وبعد التحقيق معه، ‏وسماع أقواله، وتحقيق دفاعه (م/31 قانون + م/20 لائحة)، بهذه الطريقة ‏تشكل مرحلة التحقيق بحد ذاتها ضمانة للعضو قبل إحالته على مجلس ‏التأديب.‏

• عدم جواز استعادة المبالغ التي قبضها عضو الهيئة خلال فترة وقفه عن ‏العمل إذا تم فصله من الجامعة (م37/ لائحة 2019)؛ ففي حالة الفصل لا ‏يجوز للجامعة أن تطالب عضو الهيئة باسترداد رواتب فترة الوقف.‏

في الواقع، لا تبدو هذه الضمانات المذكورة كافية لبث الطمأنينة في نفس ‏عضو الهيئة التدريسية بأنه لن يتم ظلمه أو الافتراء عليه بواقعة لم يقم بها، فقد ‏كان يجدر بقانون الجامعات النص على ضرورة حضور «محام» مع العضو ‏خلال مرحلة المثول أمام لجنة التحقيق ومجلس التأديب، مع إقرار بطلان أية ‏إجراءات دون هذا الحضور.‏